رياض الزهراء العدد 139 تنمية البشرية
إقْنَاعٌ بِذَكَاء
كم مرّة واجهت من يقول لكَ: حسناً، اقنعني إن استطعت, والذي يرافقه نبرة تحدّي للمقابل؟ وكم من المرّات كنتَ أنتَ من يضع العصا وسط عجلة الحوار ليُسكت الطرف المقابل، ويخرج من الموقف منتصب القامة، مرفوع الهامة، تعلو أهازيج الانتصار من كلّ مساماته. غالباً ما ينتهي الحوار بصورةٍ سلبية اللهم إلّا ما ندر.. تختلج المشاعر هنا وتقتنص العيون مشاهد لصورٍ تتأرجح بين كلّ ما حدث من تعابير الوجوه وما يعكّر صفو النفوس من إزعاج وتوتر, والتي يكون فيها الأبطال هم أعضاء الجسد ولغته الصادقة غالباً وهي ما تقض المضاجع عند هذه المواقف. لذا ولكي لا نتجرّع هذه المرارة، لنضع أقدامنا على خطوات مهارات التفاوض والإقناع, الذي لا تتضح معالمه ولا نصل إليه إلّا بعد أن تكون الأهداف واضحةً وجليةً أمامنا، وممّا لاشك فيه أنّ ركيزتنا الأساسية لكلّ عملٍ هي القبول من الله, فعبرها يتم اجتياز كلّ مراحل إقناع الآخرين لاكتمال أوشاج القربى لله. ومن المهم أن نتقصّى نقاط الالتقاء, وأن ننبذ كلّ ما يُعكّر صفو الحوار الهادف، فمن نقطة التقاء واحدة نتمكّن من بناء مسارات كثيرة ومتشعّبة تنتهي بنهايات منيرة للجميع, حيث إنّ أغلب الصراعات والأزمات هي ناتجة عن سوء الفهم وتحرّي الأخطاء والهفوات فحسب، ثم يبرز دور أسلوب الحديث البنّاء كما قال الله سبحانه في محكم كتابه الكريم: (..وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..)/ (النحل:125) واختيار الكلمات المفتاحية التي تنم عن الرغبة في التكامل وليس التناحر, ويا حبذا لو كان هناك اطلّاع على اهتمامات الطرف الآخر, فهذه مداخل فعّالة للإقناع وبث الشعور بأهميّتها لأنَّها حقيقة لدى المتحدّث فهو مهتم بها ولذلك يسعى ويبذل قصارى جهده للانسجام مع أفكاره. ولنأخذ زمام المبادرة في ذلك ونوضّح أهدافنا من عملية الإقناع بصورةٍ مريحة للآخر, فكما قال الإمام عليّ (عليه السلام): «لو تكاشفتم ما تدافنتم»(1)، ولعلّ ما يحول بيننا وبين الإقناع هو تلك الأحكام المسبقة التي نرشق بها من يحدّثنا في اللحظات الأولى من اختلافنا بالرأي فيتحول الإقناع إلى مرض الرأي, ولكن عندما نستنير بكلمات الإمام أبي جعفر (عليه السلام) حين قال: «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم»(2)، حينها نستطيع أن نتحكّم بأنفسنا ونكبح جماح المصالح الشخصية ونرتقي إلى أن نكون أصحاب مثل عليا وقيم كبيرة تصب في مصلحة المجتمع ككلّ وفي إطار القبول من الله سبحانه. وما أجمل أن يكون حديثنا مزيّناً بالشواهد المهمّة والحكم الثابتة التي من شأنها أن تساند وتدعم موضوع الحديث, وأن يكون مع المساندين كلّ ما يقوي المعلومة من لغة سليمةٍ واضحةٍ التأثير سواء اللغة المحكية أو لغة الجسد. إن أردت إقناع الآخر عليك بنفسك أولاً فانظر ماذا تريد من هذه العملية تحديداً، ثم دوّن كلّ نقاط التلاقي لتعتمد عليها حين الحديث، واجعل ابتسامة الرضا تعلو وجهك، واحرص على أن يكون كلّ ما يصدر منك هو مجموعة من الرسائل التي تقرّب المسافات وتوصل إلى رضا الله سبحانه وتعالى. ................................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص2210. (2) الكافي: ج2، ص165.