رياض الزهراء العدد 139 لحياة أفضل
سعادتهم - (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا)
هم بعض منّا بل كلّنا، وهم شبه لنا كظلنا، هم طعم ولون في هذه الحياة، وهم فراشات وزهر في النبات، بسمتهم كأنّها نسيم الصبا، وضحكتهم تغاريد على الرُبا، هذا هو ما يمثلّه أولادنا بالنسبة إلينا لكن هل يعني أنَّ الذين لم يرزقهم الله (عزّ وجل) بذرية تكون حياتهم بلا طعم ولا لون ولا عطر ولا هواء؟ بالتأكيد لا، فالفرج مهما تأخّر فإنَّ الأمل موجود لأنَّه كما قال تعالى: (..لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)/ (يوسف:87) فإبراهيم وزكريا (عليه السلام) على الرغم من أنَّهما قد بلغا من الكِبر عتياً لم ييأسا من طلب الذرية حتّى رزقهما الله بها، مع علمنا بأنَّ كثيراً من الناس المحرومين من الذرية راضين بقضاء الله تعالى إلّا أنَّ كلام الناس يؤذيهم كثيراً فمنهم مَن يتفاخر أمامهم بأولاده، ومنهم مَن يعدّهم حساداً له لرزقه بالذرية، ومنهم مَن يوصل لهم بأنَّ رزقه بالذرية يدل على أنَّ له عند الله كرامة وأنّهم لحرمانهم منها ليسوا كذلك, لذا فإنَّ هذا الكلام مؤذٍ كما إنّه يجرح المحروم من الذرية, فضلاً عن مضارّه على المتكلّم نفسه وهذه المضار كالآتي: أولاً: فيه دلالة على الضلالة قال تعالى:( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)/ (الحديد:20)، وإنَّ الضلالة هي العمى النفسي وهي أصل المضرّة. ثانياً: فيه دلالة على عدم الحب من الله تعالى، لأنّه اختيال وتفاخر وقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)/ (لقمان:18)، وإنَّ عدم رضا الله (عزّ وجل) وحبّه قمّة المضرّة. ثالثاً: إنَّه يسلب النعمة نفسها أو غيرها كما كان ذلك في قصة قارون، وبقصة ذاك الذي قال الله تعالى عنه في محكم كتابه: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)/ (الكهف:34)، فقال له صاحبه: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا)/ (الكهف:39) فكانت النتيجة: (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا)/ (الكهف:42). رابعاً: إنَّه يوجب حرمان المؤذي بالكلام وتعويض المتأذي كما حصل ذلك مع العاص بن وائل السهمي، حينما قال عن النبيّ (صل الله عليه وآله) قد انقطع نسله، فهو أبتر، فردّ الله تعالى ناصراً نبيّه (صل الله عليه وآله) بقوله في محكم كتابه: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)/ (الكوثر:1-3) فوهب الله للنبيّ (صل الله عليه وآله) فاطمة فكان امتداده منها، وبتر وائل السهمي فلم يكن له امتداد بذريته، وعلى العموم إنَّ تأخير الذرية أو منعها قد يكون فيه أمر صالح كما كان ذلك في تأخير ذرية إبراهيم (عليه السلام) قال تعالى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا)/ (مريم:49) فكان سبب تأخّر ذريته أنّه بين القوم الكافرين ولو كتب الله تعالى له ذرية بينهم للاقوا المتاعب من الكفّار لتوحيدهم, فكانت المصلحة أن يؤخّر الله ذريّة نبيّه حتّى يهاجر، قال لقمان الحكيم: «وكيف يظن ابن آدم أن يتهيّأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة، ولن يهيّأ الله (عزّ وجل) أمر الدنيا والآخرة إلّا بالحكمة؟!».(1) ......................................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج2، ص361.