رياض الزهراء العدد 140 نور الأحكام
نِعمَةُ الحَيَاة
قال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)/ (المائدة:32). الآية المتقدّمة فيها وعيد شديد لمَن استحلّ قتل واحد من البشر، فكأنما قتل كلّ الناس لما تنطوي عليه سريرته من الإصرار على المعصية، والعكس لمَن أحيا نفساً واحدة، فكأنما أحيا الناس جميعاً، ففي الآية تعظيم وحثّ على حفظ النفوس المؤمنة وغير المؤمنة، والإحياء في الآية بالمعنى الأعم، أي كلّ إعطاء لكمال إنساني يشمل بذلك إحياء الروح بنور العقل والإيمان، وإحياء القلب الميت بالمواعظ وذكر الله (عزّ وجل)، بل يشمل زرع المعاني الخيّرة، وإصلاح الفرد والمجتمع، فغرس الخير في نفوس الناس حياة، والقرآن الكريم يصرّح بذلك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..)/ (الأنفال:24) وهذه الحياة المشار إليها في الآية تختلف تماماً عن الحياة التي نعيش لحظاتها الفانية المنقطعة، فإحياء الله: أي جعل النور الإلهي ينفذ في أعماق بصيرة الإنسان ليحوّله إلى مَلَك يسير على الأرض، قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..)/ (الأنعام:122)، فالإنسان البعيد عن ذكر الله (عزّ وجل) هو في الحقيقة ميّت بين الإحياء. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فَفُزْ بِعلمٍ ولا تطلب به بَدَلا فالناسُ مَوْتَى وأهل العلم أحْياءُ(1) وأخيراً لابدّ من أن تُغرس قيمة الحياة في نفوس الناس ليعرفوا دورهم ووظيفتهم في الإعمار والاستخلاف، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)/ (النحل:97). ......................................... (1) آداب المتعلمين: ج1، ص47.