تَنزِيهُ وَالِدَيْ الرَّسُولِ الأَكرَمِ (صل الله عليه وآله) مِنَ الشِّرْك
اختلف علماء المسلمين في والديْ الرسول الأكرم (صل الله عليه وآله)، هل كانا على عقيدة التوحيد أو لا؟ ففي الوقت الذي تعتقد فيه الإماميّة بأنهما كانا موحّدين، ويوافقها في ذلك بعض المخالفين، مستدلّين بالكتاب والسنة، ومنهم السيوطي، إذ قال في كتاب (مسالك الحنفاء): «المسلك الثاني: أنهما أيّ (عبد الله وآمنة) لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنيفية دين جدّهما إبراهيم، ذهب أكثر المخالفين إلى كفرهما مستندين إلى ما رُوي عن أنس من: أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال (صل الله عليه وآله): في النار، فلما قفا دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار(1)، وما رُوي عن أبي هريرة، قال: زار النبي (صل الله عليه وآله) قبر أمّه فبكى وأبكى مَن حوله، فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكّر الموت».(2) وبالرجوع إلى كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فإنّ هاتين الروايتين لا يصحّ الاحتجاج بهما؛ لمعارضتهما الصريحة لقوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)/ (الشعراء:219)، أي أنّك يا رسول الله كنت تحت نظر الله طوال مدّة انتقال نطفتك المباركة من نبيّ موحد ساجد إلى ساجد آخر.(3) كما أنهما تعارِضان صريح السنّة المطهّرة أيضاً، فقد رُوي عنه (صل الله عليه وآله) أنّه قال: «لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إِلى أرحام المطهّرات حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية».(4) ولا شكّ أنّ أقبح أدناس الجاهليّة هو الشرك وعبادة الأوثان؛ لقوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)/ (التوبة:28). كما رُوي عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله (صل الله عليه وآله) أنه قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم. فقلنا يا رسول الله، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟.. حتى قال: «قال إبراهيم: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)(5)، قال النبي (صل الله عليه وآله): «فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي عليّ، لم يسجد أحد منّا لصنم قط، فاتخذني الله نبيّاً، وعليّاً وصياً»(6)، كما رُوي عن الإمام الصادق أنه قال: «نزل جبرائيل (عليه السلام) على النبي (صل الله عليه وآله) فقال: «يا محمد، إن ربّك يُقرئك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب».(7) فضلاً عن أنَّ المصادر التاريخيّة الصحيحة هي الأخرى تؤكّد إيمانهما؛ إذ تبيّن أنّ البعض مِن العرب في الجاهليّة كانوا موحّدين ومؤمنين بالله الواحد، وأشهرهم في هذا الإيمان بنو هاشم -عبد المطلب وأبو طالب وعبد الله والد النبي (صل الله عليه وآله)- إذ كانوا يعبدون الله (عزّ وجل)، ويجتنبون عبادة الأصنام، وينكرون ما كان أكثر العرب يعتقدون به(8)، وقد كان هؤلاء الموحّدون يعبدون الله تعالى على مرأى من كفّار قريش تارةً، وفي مغارات الجبال تارةً أخرى. ممّا تقدم يتّضح جليّاً أنَّ والديّ الرسول الأكرم (صل الله عليه وآله) كانا موحّدين، وأمّا الروايات الّتي نسبت إليهما الشرك كذباً وزوراً فهي كأخواتها من الروايات الّتي وضعها بعض الحاقدين لتضميد عقدة حقارتهم، وتشبيه والديه الطاهرين بآبائهم المشركين، ومحاولةً منهم لإزالة العار المطبق على أجدادهم الكافرين. ولكن ما يُؤسف له أنَّ الكثير من المسلمين يعدّون هذه الروايات الموضوعة صحيحة، وعليها بنوا أُسس عقائدهم ونظرتهم لوالديّ أشرف الخلق أجمعين (صل الله عليه وآله). ....................................... (1) صحيح مسلم: ج1, ص191. (2) سنن ابن ماجة: ج1, ص501. (3) أنظر الأمثل: ج11, ص478. (4) (إبراهيم:35، 36). (5) مرآة العقول: ج5, ص233. (6) الأمالي للطوسي: ج1, ص430. (7) الكافي: ج1 ص656. (8) انظر سيرة ابن هشام: ج1, ص252، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1, ص120.