رياض الزهراء العدد 141 شمس خلف السحاب
فِكْرَةُ ظُهُورِ المُخَلِّص
كثيراً من متبنّيات الإنسان قابلة للرد والطعن، وقد يتلاشى بعضها نتيجة الضعف وانعدام الدليل والحجّة، إلّا أنّ الأفكار المتّصلة بقوانين السماء تظلّ راسخة ومتّقدة، تضفي على الوجود مسحاتها الفيّاضة والبرّاقة بالأمل أبد الزمان. فهي بلا شك الأشد عمقاً والأقوى تماسكاً وصموداً، ومنها فكرة وجود الإمام المهدي، فهي ليست فكرة حديثة، بل هي أمر له سابقة من لدن خلقة البشر، عِبْر البراهين التامة على لزوم الارتباط بين الخلق وخالقه بالنبوّة أو الإمامة، وأكّدها النبيّ (صل الله عليه وآله): «مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية».(1) فالاعتقاد بالإمامة يبنى على ضوء برهان وأساس قويم، وفكرة ظهور المهدي وغلبته على الظلم والجور وإقامته العدل والقسط والحكومة الإسلامية في جميع أقطار الأرض أمر سماويّ أخبر به الأنبياء السابقون، ونبيّنا والأئمة بالتواتر. ولو تفحّصنا قليلاً وبخاصّة في تاريخ الأديان لأدركنا بجلاء أنّ الإيمان بالمهدويّة لم يكن أبداً من مختصّات عقائد الشيعة الإمامية، بل ليس ذلك من مختصات المسلمين دون غيرهم، وأنّ اليهود والنصارى يعتقدون بمصلح منتظر في آخر الزمان هو إيليا عند اليهود، وعيسى بن مريم عند المسيحيين. وهكذا تلتقي الديانات السماوية الثلاث في الإيمان بالفكرة، ثم يلتقي الشيعة مع سائر إخوانهم، ويعتقدون بالمهدي. وهكذا تبرق فكرة ظهور المخلّص في أذهان الخليقة أجمع، وتخفق قلوبهم بالظهور الميمون، وأولهم الطبقات المعدمة والمسحوقة الّتي ذاقت الظلم وعانت الحرمان والضيم، وستبقى فكرة الظهور وهجاً خفّاقاً ينبض بالأمل حتى موعد اليُمن. فمتى يا تُرى سيلوح في الأفق قدومه الوضّاء، وترتوي النفس بطلعته الغرّاء، وتعشب الأرض وتخضرّ بعد سنِيْ الجفاف والبور؟! اللهمّ عجل لوليك الفرج. ......................................... (1) شرح أصول الكافي: ج10، ص372.