أَنتَ ما تُفَكِّر فِيه

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 203

انطلاقة جديدة نروم مِن خلالها الأخذ بيد مَن تحوم حول أفكاره غمامة سوداء مظلمة, تحجب عنه كلّ ما هو جميل, وتمنع أريج السعادة من الوصول إليه، سنعتلي معاً صهوة الأهداف السامية لتأخذ بيدنا صعوداً إلى قمة جبل النور الساطع من أرواحنا الّتي تأبى الاستسلام لليأس والإحباط. من أين لنا أن نبدأ؟ وكيف لنا أن نصل؟ الإجابة تقبع وسط زنزانة من الأوهام الّتي ينسجها بكلتا يديه كلّ مَن يهوى التذمّر والشكوى وإلقاء اللوم على الآخرين، وفيما يلي وبين طيّات الأسطر القليلة الآتية سنحاول أن نسلّط الضوء على تلك الأسيرة الّتي آن لها أن تتحرّر وتنطلق نحو تحقيق الذات، ونيل رضا ربّ السماوات في ترقّب كلّ ما هو خير من عنده سبحانه. حين نرمق العنوان بنظرة واحدة سريعة سيبدأ لدينا شريط من أحداث ترسم لنا خارطة طريق للحاضر والمستقبل.. نعم هو كذلك.. تلك الصور الذهنيّة المتراكمة لدينا عِبْر تجارب عديدة قد نكون مررنا بها، أو سمعنا عنها عن طريق الآخرين وتأثرنا بها, بحيث امتزجت مع شخصياتنا، وتشكّلت منها اعتقاداتنا عن أيّ كلمات أو تصرفات من الآخرين، وباتت الأحكام المسبقة على أهبّة الاستعداد ومصوّبة نحو الهدف ليأخذ مجراه بأسرع وقت ممكن، وفي حال كانت المعلومات خاطئة فلا حرج في ذلك، إذ إنّ الأعذار أيضاً متوافرة وجاهزة للانطلاق نحو الهدف. وكما هو معروف أنّ كلّ إناء بما فيه ينضح، فالصور الذهنية أيضاً كذلك، لو نتصوّر أنّ لدينا كوباً ونحن نسكب فيه الماء باستمرار، وعلى الرغم من امتلائه إلّا أننا لم نتوقف عن سكب الماء فيه، فمن المؤكد أنّ الماء سيفيض إلى خارج الكوب، وكلّ ما سيُراق خارج الكوب هو الماء بغير شك. عقولنا.. أفكارنا.. صورنا الذهنية على هذه الشاكلة نفسها ستفيض حتماً بكلّ ما نقوم بتعبئتها به إن كان خيراً فخيراً، وإن كان شراً فشراً، ومن هنا نجد أهمية إصلاح النفس الّتي بين جنبينا، وكما قال أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام): «مَن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس..»(1)، فما نحن عليه الآن هو حصاد ما زُرع ونما وترعرع في أذهاننا، وهو ما تشبّث به البعض بعلم منه بصحته أو بغير علم، فالكثير منّا لسان حاله يقول: (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)/ (البقرة:170). كلّ ما نقوم بالتفكير به ونضعه في دائرة التركيز المستمرة سنقوم في بادئ الأمر بملاحظته في كلّ مكان أمامنا، ومثال ذلك المعتقدات الحياتية السلبية الّتي يتخذها البعض دستوراً لحياته، وعند تكرار الحدث يصل الشخص إلى اليقين بأنّ ما يحدث هو الحقيقة الّتي لابدّ من حدوثها دوماً، وهذا ما يُسمى بقانون التركيز؛ لذلك اعمل على استثمار هذا الكنز الدفين في التفكير، والتركيز على الأمور الحسنة ليكون السعي الحثيث من قبلنا على تحقيقه وجلبه لنا بالوسائل المتاحة، وكلّ منّا هو مَن يختار مخطّط حياته الخاصة، إذ يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «المرء حيث وضع نفسه برياضته وطاعته، فإن نزهها تنزهت، وإن دنسها تدنست».(2) بيدك لا بيد غيرك ترسم أفكارك وتنفذّها على أرض الواقع، فارسم كلّ جميل لترى الأجمل. ............................................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج5، ص15. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص3327.