هَوَسُ الجَمَال

أفنان عادل الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 201

تتهافت بعض النساء في ميادين السباق على المراتب الأولى للجمال، ممّا يقتضي تداعيات كبيرة منها الانسياق الأعمى والسباحة في تيار تغيير خلقة الله عز وجل، فاتباع الموضة (الصَّرْعَة) اتّباع الفصيل، والمشي خلفها مشية الظل تؤدي بصاحبتها إلى وديان سحيقة، ويحدو بها لقرع أبواب صالات العمليات، باذلةً الأموال الطائلة لترمّم ما أفسده الدهر، وما لا يصلحه طبيب ولا عطّار. وإذا عُرف السبب بطَل العجب.. فالمرأة كونها كائناً بشرياً تتأثر بمحيطها وتؤثر فيه، فأول ما تتأثر به شخصيتها الأهل ووسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام، والمجتمع وغيرها من المؤثرات الّتي تنحت تفكيرها، فأصبحت صورة المرأة الجميلة المثاليّة ذات المواصفات الخلّابة مطبوعة على دماغها، فتحثُّ الخُطى للوصول إلى الصورة المنشودة، وفي هذا الطريق يلاحقها شبح الزمن وتجاعيده المحفورة على جِلدها الرقيق، فتُصاب بالقلق المزمن والحزن، ومن ثمّ الإحباط واليأس، فمَن صارع الوقت صرعه. وإن أمعنا النظر في حكمة البارئ -عزّ مِن خالقٍ مصوّر- لوجدناه صوّرنا بأشكال متعدّدة غير متطابقة أو متماثلة، ليغدو كلّ شخص مميزاً ذا بصمة فريدة، فكما تتعدّد الألوان في الطبيعة، وفي قوس المطر، وأزهار البساتين من فُل وياسمين وقدّاح وجوري، كذلك تتعدّد أشكالنا لتتألق كلّ امرأة بجمال خاص. فلابدّ من الالتفات إلى ضرورة الإمساك بأسباب القوّة النابعة من الجمال الداخلي (الأخلاق، والعلم، والعقل) أضف إلى ذلك تقدير الذات والإنجازات، فجمالنا وقيمتنا الحقيقية هي فيما نتقنه ونحسنه، قال الإمام علي (عليه السلام): "قيمة المرء ما يحسنه".(1) وللثقة بالله سبحانه -الذي أحسن كلّ شيء خلقه- دور ريادي في صلابة الشخصيّة، وعدم انجرافها مع سيول الترويجات الخاوية، فمن وثقت بأنَّ الله (عزّ وجل) قد أنزل كلّ شيء بقدر في هذا الكون الفسيح، عَلِمتْ أنه قدّر تكويننا وملامحنا بقدر معلوم، ولم يخطئ قيد أنملة. أمّا الاتكاء على الجمال الفاني وتعطيل العقل فهو من مقوّمات الشخصيّة الهشّة الّتي سَرعان ما تتهشم عند مشاهدة أول أخاديد العمر ورسائله البيضاء. وقد تتساءل إحداهنّ: هل عليّ إهمال شكلي الخارجي لأنّه أقل أهميّة من الجوهر الدفين؟ وتأتيها أحاديث العترة الطاهرة جواباً: إنَّ الله جميل يحبّ الجمال، إنَّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمّل، حتّى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فلا يتصوّرن أحد أنَّ ديننا الحنيف يمنع الجمال ويدعو إلى الصوفية والعزوف عن الدنيا بما فيها، بل الثواب الجزيل والدرجات العُلى لمَن تجمّلت وتزيّنت في مواضع الزينة، ونأت بنفسها عن الزينة، في غير موضعها. ................................. (1) تاج العروس: ج18، ص142.