رياض الزهراء العدد 141 لحياة أفضل
قَسْوَةُ القُلُوبِ وَتَأثِيرُهَا فِي الفَرْدِ والمُجتَمَع
من الأمور الّتي لا شكّ فيها أنَّ الباري (عزّ وجل) خلق كلّ البشرية بقلبٍ وعقلٍ وجسد, كلّ المشاعر الروحية تجّسدت في هذا القلب، وأشبعه بالحنان والرأفة، فعندما تنظر إلى المجتمع تجد هناك أناساً لطفاء وآخرين غليظي القلب والمشاعر، ذلك التباين يمكن عزوه إلى عدّة عوامل، أهمّها ما قد ذكره الأمير عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "..وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب"(1), هنا نجد دليلاً واضحاً على علاقة قسوة القلب بالذنوب. ولم يُستبعد المؤمنون برسالة النبيّ (صل الله عليه وآله) من قضية قسوة القلوب ونحسبهم في موضع المثالية، إذ نزلت فيهم آية: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)/ (الحديد:16)، فهي من الآيات المثيرة في القرآن الكريم، إذ تليّن القلب، وترطّب الروح، وتمزّق حجب الغفلة، وتعلن منبّهة: ألم يأن للقلوب المؤمنة أن تخشع مقابل ذكر الله وما نزّل من الحقّ! وتحذّر من الوقوع في شراك الغفلة كما كان بالنسبة إلى من سبق حيث آمنوا وتقبّلوا آيات الكتاب الإلهي، ولكن بمرور الزمن قست قلوبهم.(2) ولا نستصغر قسوة القلوب وتأثيرها في حياة الفرد والمجتمع، فهي التي تؤدّي إلى الابتعاد عن الصلاة والدين، وقد يُحال بين الفرد وربّه، ويُحرم من رحمة الله، فمن ابتُلي بقسوة القلب فليبكِ على ما ابتُلي به، وليطرح نفسه بين يدي الله تعالى ويسأله المغفرة. يرتبط كلّ شيء في الإنسان بالله (عز وجل), ويمكن أن نلاحظ كلّ شخص قد فهم الدين وارتبط روحياً بالربّ يكون ذا روح إنسانية وقلب ليّن, وبهذا يؤثّر إيجابياً في المجتمع، ويعكس صورة رائعة عنه وعن الدين, ويمكن أيضاً أن نتخيّل أنفسنا في محلّ الشخص الذي نريد أن نسيء إليه، فما لا نرضاه على أنفسنا لا نرضاه على غيرنا, فعند اعتماد هذه المقولة كمبدأ أساسي نعيش عليه سنجد أننا بعيدون عن المصاعب والمشاكل، حتى أنها يمكن أن تحلّ لنا أحلك الأمور وأشدّها مع الناس لو حدثت أي حادثة أو مشكلة. تفقّد حياتك وانظر إلى السبب الذي أدّى بك إلى قسوة القلب، لعلّ مظلمةً أو ذنباً ارتكبته هو السبب، ولا تقل أنا مصلٍّ أو هاجر للذنوب! إن لم ندرك أنفسنا فالمجتمع ذاهب إلى الهلاك, لا تدع قلبك يحمل ضغينة على أحد، ولا تنظر إلى سلبيات الناس، ولكن انظر بعين الرحمة وبقلبٍ طيّب, يجب أن لا نفكر في أنفسنا فقط، وإنما ننظر بعينٍ واسعة إلى كلّ شيء في هذا العالم، ونكون أصحاب قلوب واسعة تتحمل أكثر من حجم هذا العالم الصغير. لا ريب أنّ كلّ شخص يعيش ضغوطات نفسية أو صحية أو اجتماعية أو.. ولكن يجب أن لا نعكس هذا الأمر على غيرنا، وبهذا يكون مصابنا مضاعفاً. هنا في هذا العالم ما يكفي أن يكون القلب قاسياً، في مقابله يمكن أن نتحدى العالم بقلوبنا، ونغيّر حتى من سلبيات المجتمع وجعلها إيجابيات. ..................................... (1) ميزان الحكمة: ج2، ص994. (2) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج18، ص50.