مَدرَسَةُ زَينَبَ بِنتِ عَلِيٍّ (عليها السلام) الدِّينِيّةُ النُّسوِيَّةُ، المَنظُومَةُ الجَامِعَةُ لشَخصِيَّةِ المَرْأَةِ المُسْلِمَة

نهلة حاكم كاظم/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 387

خلق الله (عزّ وجل) الإنسان وكرّمه عن سائر المخلوقات بأن خلقه في أحسن تقويم، وأعطاه العقل الذي هو بمثابة القوّة الّتي تحرّكه، فالعقل هو تلك الأداة الّتي يفكّر ويتفكّر بها الإنسان، وتجعله يحقّق الغاية من خلقه، وسبحانه وتعالى لم يترك الإنسان هائماً على وجهه في هذا العالم، بل جعل له منظومة من العقائد، والمفاهيم، والأحكام، والأخلاق الّتي تندرج جميعها تحت الدين، فأيّ إنسان على وجه الأرض لا يستطيع أن يعيش دون وجود الدين الذي ينظّم حياته ويجعله يحقّق الغاية من خلقه، فحاجة البشريّة إلى الدين كحاجة الأرض إلى الماء، وبما أنّ القراءة هي من الحاجات المهمة للإنسان لمعرفة الله (عزّ وجل)، ومعرفة أصل الدين، لذلك كانت أول آية نزلت من القرآن الكريم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)/ (العلق:1). العلم يجب أن يُوَظّف لمعرفة الله (عزّ وجل) لا ينبغي أن نعلّم الفتاة أيّ شيء، بل يجب أن نعلّمها الكتاب المقرّر، ألا وهو (القرآن الكريم، السنّة النبوية، الآداب الإسلامية) فكم من بيت هو قطعة من الجحيم بسبب الزوجة، وكم من زوجة ترتكب أفدح الأخطاء لجهلها فقط!! وهنا يبرز دور المجتمع من علماء ومثقفين ومهتمين بشأن المرأة عن طريق تظافر الجهود والإمكانيات المتاحة من الموارد البشرية والمادية للارتقاء بثقافة المرأة عن طريق المؤسسات التعليمية والتربوية بخاصة المدارس الدينية الأكثر أهمية في حياة الإنسان؛ لِما لها من دور مؤثّر في تشكيل شخصية الفرد، لاسيّما مسؤوليتها في تحديد ملامح الثقافة الدينية عن طريق المعارف والعلوم المكتسبة، ومن هذه المدارس الّتي كان لها الدور الفعّال في الاهتمام بالمرأة، مدرسة زينب بنت عليّ (عليها السلام) الدينية التابعة للعتبة العباسيّة المقدّسة، وهي إحدى المدارس الدينية في العراق الّتي تهتم بثقافة المرأة الدينية، وفي هذا الشأن أجرت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) التحقيق الشائق مع مديرة المدرسة السيّدة أسماء القيصر الّتي عرّفتنا ببداية عطاء المدرسة، وقد عبّرت عنها قائلة: كان الإعلان مسبقاً عن افتتاح المدرسة عن طريق المجالس الحسينية في شهري محرم وصفر، وكان هناك شوق كبير من قبل الأخوات، فكان الموعد الذي افتُتحت فيه مدرسة زينب بنت عليّ (عليها السلام) النسوية للعلوم الدينية شهر ربيع الأول سنة 2013م/ الموافق 1435هـ، ومدة الدراسة فيها خمس سنوات، إذ تتلقّى الطالبات في المراحل الخمس مختلف العلوم: كالفقه، والعقائد، والنحو، والمنطق، والسيرة والأخلاق، وأحكام التلاوة، ويبلغ عدد طالبات المدرسة 144 طالبة. رياض الزهراء (عليها السلام): ما أهمية الفقه في حياة المرأة المسلمة؟ المرأة هي اللبنة الأساس في المجتمع، وبمعرفة الفقه الإسلامي تصلح المسلمة أعمالها على صعيدها الشخصي الخاص، وعلى الصعيد الاجتماعي العام، فبه تعرف الحلال فتفعله، وتعرف الحرام فتتجنَّبه، فتغدو تصرفاتها منضبطة في ضمن منهج مستقر، وبه تعرف واجباتها وحقوقها التي بينها وبين الناس، فتسعد حياتها، وتسدّد قرباتها وطاعاتها لله تعالى فضلاً عن رضـوان الله تعالى في الدنيا والآخِرة. وللمرأة في حياتها جوانب ومتطلبات متعددة، وإنَّ تحقيق سعادتها تقتضي رعاية هذه الجوانب بالتشريع والتنظيم، ولمَّا كان الفقه الإسلامي هو الأحكام التي شرّعها الله تعالى لعباده رعاية لمصالحهم، ودرءاً للمفاسد عنهم، جاء هذا الفقه جامعاً لجميع هذه الجوانب، ومنظماً لأحوال الإنسان وتقلباتها في جميع الأمور لشمول الفقه الإسلامي كلّ نواحي الحياة. رياض الزهراء (عليها السلام): لكم ريادة في إدارة المدرسة وقيادتها، فما هي نسب النجاح التي حققتها المدرسة؟ بفضل الله (عزّ وجل) المدرسة متميّزة عن طريق النتائج الّتي حققتها الطالبات في أثناء تأدية الامتحانات، فضلاً عن النجاح الذي حققته دورة طرائق التدريس المُقامة في مركز الصديقة الطاهرة (عليها السلام) من قبل إدارة المدرسة، وفوز البحث المقدّم من قِبل إحدى طالباتنا في مهرجان روح النبوة، كما فازت المدرسة بالمرتبة الأولى بنسب النجاح في السنة الأولى لها. رياض الزهراء (عليها السلام): ما هي برامج المدرسة ونشاطاتها الّتي من شانها تطوير المرأة؟ فتفضّلت (قائلة): في شهر رمضان نستغل العطلة بإقامة ختمة قرآنية خلال الشهر الفضيل، إذ توجّه دعوة عامة إلى كلّ نساء المنطقة، تتخلّل هذه الختمة دروس قرآنية، ومن بركات المحفل الإقبال المتزايد للطالبات، فضلاً عن برنامج محو الأمية الّتي تتبناه المدرسة وبإشراف مديرية التربية، ووضع مناهج معدّة من قبل المديرية، وكان له صدى وأثر في نفوس الأخوات بسبب الحرمان من العلم لأسباب عدّة؛ منها الظروف العائلية، وظروف البلد، وهنالك (صندوق رمضان)، وهذا الصندوق هو فكرة تبنتها المدرسة، إذ تُجمع الأموال خلال السنة لشراء سلّة رمضانية؛ كي توزّع على الأرامل والمحتاجين. رياض الزهراء (عليها السلام): المؤازرة من قبل المرأة وما لها من أثر إيجابي في النسيج الأسري، وكذلك في مسيرة حياتكِ العلمية، فعرفينا على تلك التجربة كدرس من دروس الحياة الزوجية الناجحة؟ تقول (المديرة): تركت دراستي في الجامعة ووقفت إلى جانب زوجي، وتحمّلت المسؤولية معه بسبب إصابته في أثناء الحرب، ولكن لم يؤثر ذلك في حياتنا، وامتهنت صنعة الخياطة التي أجيدها إلى أن كبر أولادي وأكملوا تعليمهم الجامعي والحمد لله، بعدها عدت لاستكمال دراستي في الجامعة والحمد لله وأنا حالياً طالبة ماجستير وكلّه بفضل الله (عزّ وجل) ورعايته، وفي المؤازرة اتخذت من أهل البيت أسوة حسنة، وجعلتني أقف مع كلّ طالباتي لمساعدتهنّ في نيل العلم، وعلى تحدي الصعاب، وكلّ طالباتي تعلّمن الوقوف مع بعضهنّ بعضاً، والتمسن الآثار المعنوية للتكاتف فيما بينهنّ. رسالة إنسانية تحمل في طياتها الإبداع بين بنات حواء وفي سياق التدريس انتقلت رياض الزهراء (عليها السلام) للحوار مع الست ميثاق رشيد/ مدرّسة في مادة الفقه فسألتها: هل تجد الطالبات صعوبة في تلقي العلوم الدينية؟ أجابت متفضلةً: المواد المقررة موضوعة بحيث تتلاءم مع مستوياتهم الثقافية ومستويات المراحل العمرية. وأضافت أم وسام مدرّسة مادة المنطق: لدينا طرائق تدريسية متنوعة لإيصال المادة نظرياً وعملياً. التحديات تنحسر أمام الإرادة وفي تجوال رياض الزهراء (عليها السلام) بين أروقة العلم والمثابرة والإبداع التقت بعدد من طالبات العلم صمدن أمام التحديات، ولهنّ قصص مؤثرة، ومن تلك الطالبات: الطالبة أم زينب تقول: أعمل على إعالة أسرتي من جانب، وأواصل الدراسة من جانب آخر، فلم يقف شيءٌ أمام طموحي ألا وهو تحصيل العلم. وقالت الطالبة أمّ سارة وهي أرملة وأمّ لأيتام: أتسلّح بدين الله (عزّ وجل) وعقيدته، فهو يحميني ويؤمنني، وكذلك لكي أُنشئ أبنائي تنشئةً إسلامية صالحة. إنّ للمرأة شأناً عظيماً في سير أي مجتمع واتجاه أي أمّة، فلها دور كبير حينما تستقيم الحياة على منهج الله (عزّ وجل) ويتنسم العباد عبير الطهر والعفة والاستقامة منها؛ لأنّ المرأة أناط الله بها تربية أولادها، فإذا كانت متفقّهة في العلوم الشرعية، عرفت حقّ زوجها، وعرفت حقّ أولادها، فالنساء نصف الأمة، ثم إنهنّ يلدنَ النصف الآخر، إذن فهنّ أمّة بأكملها.