لذةُ الاكتِشاف_القضاء الإلهي
الإرادة والمشيئة والقضاء، مفاهيم علمية عقائدية تمثّل معرفتها أسس البناء العقائدي للفرد المسلم تجاه الأفعال والأحداث الكونية، وهي من حيث الوجود متسلسلة ومترابطة ترابطاً وجودياً؛ لذا استدعى منّا البحث عن معانيها ومفاهيمها في حوارية عددنا هذا مع والدتي، فقالت: عند ملاحظتنا للحوادث الخارجية والأفعال الإنسانية والأمور الكونية وهي تُقاس إلى العلل والأسباب المقتضية لوقوعها نلاحظ أنها في مرحلة عدم توافر الشرائط التامّة لوقوعها أو عدم ارتفاع الموانع التي يتوقف عليها حدوثها لا يتعين لهذه الأحداث الوقوع أو عدم الوقوع، بل هي في حالة تردّد بين أن تقع وأن لا تقع، فإذا تمّت جميع العلل والأسباب الموجبة لوقوعها، وكمل ما يتوقف عليه من الشرائط وارتفاع الموانع، تخرج من حالة التردّد إلى التحقق أو عدم التحقق. ولمّا كانت جميع الحوادث الخارجية والأفعال الإنسانية والأمور الكونية في وجودها كلّه وتحققها مستندة إلى الله (سبحانه وتعالى)، فهي ما لم يرد الله (سبحانه وتعالى) تحققه، ولم يُتم لها العلل والشرائط اللازمة لوقوعها باقية على حال التردد بين أن تتحقق أو لا تتحقق، فإذا شاء الله وقوعها وأراد تحققها يتم لها عللها وشرائطها الموجبة لوقوعها، فلم يبقَ لها إلا الوقوع فتتحقق، فيكون ذلك تعييناً منه تعالى وفصلاً في الأمر، وهذا ما يُسمى قضاء من الله(عز وجل)، قال تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)/ (البقرة: 117)، ففي المحاسن عن بن أبي عمير عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): "أن الله إذا أراد شيئاً قدره، فإذا قدره قضاه، فإذا قضاه أمضاه"(1)، وعن ابن أبي عمير عن محمد بن إسحاق قال: قال أبو الحسن (عليه السلام) ليونس مولى علي بن يقطين: "يا يونس لا تتكلم بالقدر، قال: إني لا أتكلم بالقدر ولكن أقول: لا يكون إلا ما أراد الله وشاء وقضى وقدّر فقال: ليس هكذا أقول ولكن أقول: لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى. ثم قال: أتدري ما المشيئة؟ فقال: لا، فقال: همه بالشيء أو تدري ما أراد؟ قال: لا، قال: إتمامه على المشيئة، فقال: أو تدري ما قدر؟ قال: لا، قال: هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء ثم قال إن الله إذا شاء شيئاً أراده وإذا أراد قدره وإذا قدره قضاه وإذا قضاه أمضاه"(2)، وفي رواية أخرى عن يونس عنه (عليه السلام) قال: "لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى. قلت: فما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: فما معنى أراد؟ قال: الثبوت عليه. قلت: فما معنى قدّر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه. قلت: فما معنى قضى؟ قال: إذا قضى أمضى فذلك الذي لا مردّ له"(3). وجاء في التأريخ الإسلامي أن السيّد المسيح (عليه السلام) أخبر عن عروس أنها سوف تموت في ليلة زفافها، لكنّها بقيت سالمة!، وعندما سألوه عن الحادثة قال: "هل تصدّقتم في هذا اليوم؟ قالوا: نعم. قال: الصدقة تدفع البلاء المبرم"(4)، لقد أخبر السيّد المسيح (عليه السلام) عن هذه الحادثة بسبب ارتباطه بلوح المحو والإثبات، في الوقت الذي كانت هذه الحادثة مشروطة بأن لا يكون هناك مانع مثل الصدقة، وبما أنّها واجهت المانع، أصبحت النتيجة شيئاً آخر، فالقدر لا يحتم المقدر، فمن المرجو أن لا يقع ما قدّر، فالقدر لا يجعل المقدّر أمراً حتمياً، فمن المرجو عدم وقوع المقدّر بالصدقة أو الدعاء ونحوه، أمّا إذا كان القضاء فلا مدفع له. .................................. (1) تفسير الميزان: ج13، ص73. (2) تفسير الميزان: ج13، ص73. (3) تفسير الميزان: ج13، ص73. (4) تفسير الأمثل: ج7، ص437.