بِأمرٍ مِن كُتّابِ قِصَصِ الأطْفَال كِتابُ الطِّفلِ نَجمٌ للثّقَافَة..وحِكَايَاتُه المُتوَارَثَة.. يَصِير بِها كُلُّ شيءٍ حَيّاً
ما خزنته الذاكرة في موانئ الحياة (إنَّ للطفل دنيا واسعة من الخيال الذي لا حدود لجغرافيته، يعيش فيه بصور وشخصيات وأحداث، فإذا لم تصوّر له هذه الدنيا، فإنَّه يبتكرها ويُوجدها، فهي دنيا يستقيها ممَّا سمعه من قصص وحكايات، فيعيد تنظيم العالم حسب رؤيته، وكما يحلو له أن يصوِّره)، قرأتْ مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) رأي أحد الأدباء، وقرأت عيون أطفال مَن قُرِئ له قصة قبل النوم، فأرادت رياض الزهراء (عليها السلام) معرفة كيف قرأ وكتب كُتّاب الطفل (القصة) المجتمع وثقافته للطفل؟ وتبدأ الحكاية في انعقاد خيوطها مع القاص الصحفي (طلال حسن عبد الرحمن/ الموصل) في يده لجوابه عن سؤال: كيف ومتى اكتشفتَ الأديب أو الفنان في داخلك؟ عن طريق تجاربي أعرف أنّ الكثيرين من الأدباء والفنانين يكتشفون أنفسهم قبل أن يكتشفهم الآخرون، ومن جهتي فقد اكتشفت الأديب ـ الفنان في داخلي - منذ وقت مبكر، ربّما منذ أواخر المرحلة الابتدائية، ولا أعتقد أنّ الكتابة للأطفال ولغير الأطفال عملٌ بهذه السهولة، لكنه أيضاً ليس عملاً صعباً للغاية مع توافر الموهبة والإعداد الجيّد لموضوع النصّ المراد كتابته، وإذا افتقد الكاتب الموهبة، والإعداد الجيد للموضوع فلن يفيده التحديق في الورقة البيضاء التي أمامه مهما نزف من عرق، فنصل إلى خلاصة هي أنّ الفن ليس موهبة فحسب، وإنما دراسة وعمل مستمران. أمّا الرسام الذي يرسم نصّاً معيناً، سواء كان قصة أم قصيدة أم أيّ نص آخر، فهذا يتوقف على قدرته وتجربته ورأيه في طريقة تنفيذ الرسم، فبعض رسامي الأطفال يتقيد تماماً بخطوط النص، والبعض الآخر ينطلق بخياله بعيداً عن النص، والأفضل في رأيي هو المزج بين الطريقتين، والإبداع عن طريق جوهر النص كما كتبه مؤلّفه. لأصل إلى طفل (طلال حسن) الذي نما بداخلي من اكتساب الخبرة القصصية من الجدّ والأم، إذ استطاعا منح مخيلتي الأجواء الخصبة من الشعر والحكايات القديمة، فضلاً عن أنّ البيئة المحيطة هي التي أسهمت في منحي القدرة على الرسم، فكلّ ما تم خزنه من قصص استطعت عن طريقه نسج شخصيات فهم موانئ الحياة وحكاياته. الحكايات ماء الأدب (وبه يصير كلّ شي حيّاً) هذا ما بدأ به كلامه الكاتب والقاص مهند العاقوص (سوريا)، حينما سألته رياض الزهراء (عليها السلام): لماذا فِكرُ مؤلّف قصص الأطفال بين الماء والنار؟ أدب الطفل هو كائن حديث الولادة ما زال يتأرجح في فضاء الفنون والآداب باحثاً عن مستقره، فنراه تارةً يعلن التربية وفروعها، وتارةً هو رحيق علم نفس الطفولة، وأخرى هو استمتاع لا يحتمل كلّ تلك التأويلات والتجاذبات. إنّ ضبابية الصورة لهذا الأدب الوليد شديدة الوضوح في عالمنا العربي، لذلك نعيش مرحلة اللاهوية والارتجال، ونستقي استراتيجيتنا من وراء الحدود، راضعين من العالمية بعض حليبها، حالمين بأخوّة ولو بالرضاعة تمنحنا حميمية التواجد في بيئة الإبداع عالمياً. إنّ هذا التأرجح في الهوية ينعكس على مفاصل صناعة الأدب، فنجد الناشر حائراً فيما ينشر غالباً، وأحياناً يستجيب لصوت السوق، فينتج ما يستجلب المبيعات، وليس ما يحتاجه المجتمع حقيقة. ونجد الرّسام متأرجحاً بين عالمه اللوني وبين واقع لا يدرك كثيراً الثقافة البصرية، فقد تستسهل الريشة حركاتها أمام تلك العين المفتوحة على اللوحة من دون وعي وثقافة. والكاتب يعيش التأرجح ذاته، بين ما يحبّه هو وما يتوجّب عليه كتابته، بين أفكاره وخصائص الطفولة التي تقيّد حريته في إطلاق العنان للفكرة والخيال والأسلوب. التأرجح مرحلة لابدّ منها تتبلور بعدها الملامح لأدب طفلي، أراه قائد كلّ أمة تسعى إلى رقي ورفعة في مستقبل يصنعه غداً أطفال اليوم. الزاد الثقافي لمراحل الحياة أمّا الرسّامة والمختصّة بكتاب الطفل (القصة)، وصاحبة مبادرة (دفتري والقراءة) (انطلاق محمد علي) أجابت عن سؤالنا: كيف يؤثر الرّسم في تعلّق الطفل بالقصة؟ الرّسم فطرة وطريقة في التعبير عن دواخل الطفل، ويعدّ الورق والقلم أولى الأدوات التي يسعى الطفل إليها، فعن طريق عملي في هذا المجال ومنذ (33) عاماً كنت في كلّ وقت أذكّر نفسي والمشاركين في ورش تطوير قراءة الطفل بالطفل الذي في داخلهم، حتى يتعاملوا مع قصة الطفل بإحساس البراءة الصادقة، وأجد أنّ الرسم مادة يُستعان بها في التجسيد الفني الذي يتخذ من الكلمات مواقع فنية، وهي عناصر تزيد من قوة التجسيد وخلق شخصيات وأجواء وأحداث، فهي لا تعرض معنىً وأفكاراً فحسب، بل أجد في الرسم إثارة العواطف والانفعالات، فضلاً عن إثراء العمليات العقلية المعرفية كالإدراك والتخيل. ويتابع الرّسام (عمر طلال حسن عبد الرحمن) روايته عن سؤال وجهته إليه رياض الزهراء (عليها السلام) عن كيفية ولوجه عالم الطفولة، وما الهدف له كرسّام من دخول عالم الطفولة؟ فلم يفلت من يد الرّسام (عمر طلال) قلم الرّسم، ليرسم لنا إجابة بأنّ هناك هدفين من الولوج إلى عالم الطفولة، الأول هدف على الصعيد الشخصي في أن أبحث عن الطفل الذي بداخلي، وهو أهم هدف أسعى إلى تحقيقه كي أبقى في عالم الطفولة الصادق، والبريء والرائع، البعيد عن عالم الكبار ومشاكله، أمّا الهدف الثاني الذي أطمح إليه من الجانب التقني والحرفي هو أن أرفع من مستوى أداء العمل، فرسم قصص الأطفال كأنه ترجمة، وتبقى بحسب مستوى المترجم، إمّا يترجمه حرفياً أو يُضيف إلى النص ويرفع من قيمة النص، وأحياناً الرّسام إذا كان مستواه متواضعاً سوف يظلم النص، ودائماً وأبداً لمَن يهتم بمجال الطفولة عليه بضرورة الوعي والثقافة، وأن لا يكون بينه وبين العالم الذي يعيشه فواصل تفصله عن الواقع. لنختم التحقيق بكلام أحد الأدباء أنّه: (مَن يودّ الكتابة للطفل عليه أن يكون بعقل طفل وقلبه وروحه، فالطفل كائن مستقل عن الكبار، وعن محيطه الاجتماعي والثقافي والتعليمي؛ ولذلك عمل أدباء الطفولة على تقطيع أوصال ذلك الطفل بالتشديد على تحديد سِنّه، لتأتي الكتابة على مقاس تلك السِن وما تحتاج إليه من معلومات وقيم).