رياض الزهراء العدد 141 مناهل ثقافية
البَحْثُ عَن إِنسَان!
صُراخ شفتيه أعلنته أرضها الّتي لم يمرّ بها القطر، عيونه أغلقت أبوابها بتراب رمشيه، جسده المُثقل يتمدّد على حرّ الرمال، الشمس اختارت زاويتها الحادة لتشعل النيران في تلك الصحراء، يمدّ يديه للفراغ آملاً أن يعطيه أحد الماء.. ماء.. ماء.. أسمعت كلماته الفضاء، رَفع جسمه حاول القيام أسقطته أحشائه الجائعة، رمى برأسه إلى الأرض يستجدي رطوبة التراب أغلق عينيه، (طفلة بملابس رثّة تمدّ بيدها إليه يُغطّي ملامحها السواد فلا ضوء لرؤيتها وإن وُجِد يُطفئ سريعاً)، (طفل يُصارع أحدهم ويسرق منه ماله). رفع رأسه وهو يرى تلك الصور، محاولاً القيام لخطوات، ثم سقط يحلم بالسراب، صرخ بأعلى صوته: ماء.. ماء.. انسلخ منه أحدهم، وقف على رأسه، نظر إليه بشفقة، رفع رأسه إليه، مَن أنتَ؟ إنسان! أرجوك أريد ماءً.. سار بخطواته ليبتعد عنه، صرخ: عُدْ، أُريد ماءً.. إلى أين أنتَ ذاهب؟ هتف مبتعداً: أبحث عن إنسان! تركه يذهب؛ لأنه رأى واحة أخضرّ فيها نخلها، ورطب تمرها، وبرق صفاء مائها.. قام فسقط، ثم قام فسقط، حتى وصل.. إنه ماء.. إنه ماء.. ظهر له ذلك الشخص من جديد يقف في جانب الواحة.. لم يأبه به، راح يغرف بالماء ويرميه على بدنه.. هنئ به للحظات، ثم غادره سرابه، ويداه تحملان التراب.. اعتلى صوت الواقف هناك: للمرة الألف تنخدع بالسراب.. صرخ به، وبدأ يرميه بالتراب.. ابتعد عنه تبعه.. إلى أين أنتَ ذاهب؟ لا تتركني أرجوك.. أتاه الردّ: سأبحث عن إنسان! هتف أنا إنسان، ألم تنسلخ منّي، لماذا تتركني؟ التفت إليه، نظر مطولاً له: لم تكن إنساناً يوماً، سأترككَ مع سرابكَ وأبحث عن إنسان..