رياض الزهراء العدد 141 منكم وإليكم
مَوقِفٌ مَرَرْتُ بِه
ذات يومٍ رأيت رجلاً ذا علم فجذبتني درجة العلم الّتي وصل إليها، فأخذت أتساءل كيف وصل إلى هذه الدرجة؟ كيف ارتقى إلى هذا الصعود المعنوي؟ كيف حاز هذا الفيض الإلهي؟ هل هناك فرق بيني وبينه؟ لماذا أنا هنا وهو هناك؟ أنا إنسان وهو إنسان، لديّ عقل ولديه عقل، ما الذي فعله حتى وصل إلى الدرجات العليا من الرقي؟ كيف استطاع أن يقف على الطريق الذي أوصله إلى هذا الهدف؟ و.. و.. وأسئلة كثيرة لابدّ لها من إجابة.. فجأةً تذكّرت قوله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)/ (الحجر:99) وتذكرت قول الإمام الصادق (عليه السلام): «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلّا بعداً»(1)، عندها أدركت أنّ السبب الرئيس في رقي هذا الرجل هو وصوله إلى أعلى درجات التقوى واليقين، وأنهما أفضل مركوب يمتطيه السائر إلى الملكوت الأعلى، وعلمه أنه مسافر إلى لقاء الله (عزّ وجل) لا محالة، وإدراكه أن الدنيا مجاز وما يستقبله فيها من نفع أو ضر, ابتلاءٌ وامتحان إلهي لا مهرب منه, ولا يزيده ذلك الابتلاء إلّا شكراً وقرباً إلى الله (عزّ وجل)، ولا يزيغ عن الله (عزّ وجل) يميناً ولا شمالاً، بل هو مستقر في العبودية، وأنه لم يمتلك الملكات الظاهريّة من صلاة وصوم فحسب، بل تجلّى نور المعرفة والعلوم الباطنية في قلبه، كيف حصل عليها؟ هل باستطاعتي أن أصل إلى ما وصل إليه؟ إذن ماذا عليّ أن أفعل؟ عليّ أن أبدأ كما بدأ هو، وأن أقوم بما قام به، أحتاج إلى العزم والإرادة، وعليّ أن اجتهد لكي أحصل عليهما؛ لأنّ الرقي سلّم لا أستطيع أن أتسلّقه ويديّ في جيبي، عليّ أن أتحرّك وأصارع النفس الأمّارة بالسوء؛ لأنني لو رحلت عن هذه الدنيا من دون أن أحقّق العزم على ترك المحرمات, والإرادة الصلبة على عمل الواجبات, فإني إنسان صوري فقط بلا لب، فعليَّ أن أعزم على الهجرة إلى الله تعالى بترك الذنوب حتى صغائرها, وأمرّن نفسي على التفكير في الأمور المعنويّة، وعدم التجرّأ على الله (عزّ وجل) بالمعصية، وأطلب منه تعالى في الخلوات أن يكون معي، وأن لا أختار في عبوديتي لله تعالى تكاليف ثابتة جامدة، بل أحاول أن أجعل عبادتي في يومي هذا تختلف عن عبادتي ليوم أمس، وأحرص على استثمار البلاءات، وأقول: ربّي إن كان لابدّ من البلاء فاجعل بلائي قربة إليك؛ لأكون إنسانياً حقاً وليس ظاهرياً؛ لأنّ سرّ عدم توفيقي تركي هذه الأمور. الحمدُ لله أدركت السرّ فيما أنا فيه، وهو أنني لم أفهم معنى الإنسانية الحقّة الّتي أرادها الله (عزّ وجل) منّي، ولم أفهم الحقيقة والواقعية الّتي وُجدت من أجلها, فرحت أرميها وأضربها بأعمالي، وأخيراً رسمت طريقي لنفسي, ابتدأته بالحركة الدائبة إلى الله (عزّ وجل)، وأن أقوم بهذه المَهمة الراقية على أتمّ وجه واستعداد؛ لأحقّق الحقّ، وتيقنتُ أنَّ الهدف من قوله: (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)/ (التكاثر:7) لأنال الألطاف الإلهية والقبول الحسن، وذلك بإقلاعي عن ذنوبي، وتشديدي المراقبة والمحاسبة والمعاتبة لنفسي، حتى أنال هويتي المتميّزة، وأتسلّق السلّم لأصل إلى الملكوت. ......................... (1) الكافي: ج1، ص43.