شَذَراتُ الآيات_ 17

أزهار عبد الجبار
عدد المشاهدات : 265

قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)/ (النور:32) في الآيات السابقة بيّن الله (عز وجل) الأمور العامة للناس وأحوالهم في الزنا وأسبابه. فحكم وقرّر ووعظ وحذّر وأمر الرجال والنساء بحفظ الفروج والكفّ عن النظر المحرّم، ونهى النساء عن التبرج وإبداء الزينة أمام الرجال الأجانب؛ لأن ذلك يؤدي إلى السفاح المخل بالنسب، وبعد الزجر عنه وبيان مساوئه أمر المؤمنين بالنكاح والتعاون على تيسير الزواج لكلّ مَن احتاج من النساء والرجال؛ لأنه الوسيلة الشرعية لحفظ النسب وبقاء النوع، وذلك حين قال (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ)...(1) لقد طرحت هذه الآية سبلاً أمينة ومتعددة للحيلولة دون الانحطاط الخلقي والفساد، فكلّ واحد من هذه السبل ترتقي بالأمة فرداً وجماعة إلى عالم أرحب من الطهر والاستقامة، ويحول دون انحدارها في مهوى الرذيلة، وقد أشارت الآية إلى أهم طرائق مكافحة الفحشاء، وهو الزواج البسيط البعيد عن أجواء البذخ؛ لأن إشباع الغرائز بشكل شرعي وسليم خير سبيل للإقلاع عن الذنوب. وكلمة أيامى جمع أيمّ، وهو الرجل الذي لا زوجة له، والمرأة التي ليس لها زوج سواء أكانت بكراً أو ثيباً...(2). إن مفهوم الآية واسع، إذ يشمل هذا الخطاب جميع المسلمين أو الأولياء أو الحكام، ويحثّهم على التعاون الإسلامي، ويوجب تقديم العون من قبل المسلمين بعضهم لبعض؛ وذلك لأهمية الزواج البالغة المدى(3) إذ جاء في حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): "الذي يسعى لزواج أخيه المسلم كان له بكلّ خطوة خطاها، أو بكلّ كلمة تكلّم بها في ذلك عمل سنة قيام ليلها وصيام نهارها" وفي حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله(عز وجل) بينهما" وجاء في حديث آخر عن الإمام الكاظم (عليه السلام): "ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلّا ظله، رجل زوّج أخاه المسلم أو خدمه أو كتم له سرّا"(4) والمعنى: أيها المؤمنون تعاونوا على تزويج كلّ مَن يحتاج إلى الزواج من النساء والرجال وساعدوهم بالمال والإمداد؛ لإزالة العوائق وتسهيل الوسائل المؤدية إليه...(5) أمّا المقصود بالآية (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) فتعني أن تتوفر في عبيدكم وإمائكم شروط الصلاح من ناحية الأخلاق والعقيدة ليكونوا بمستوى المسؤولية التي تقع على عاتقهم بعد الزواج. ولمّا كان للزواج تكلفة يهاب لأجلها الإنسان لخوفه من قلة الرزق، فقد أزال الله (عز وجل) ذلك الخوف وأرشدهم أن لا تكون قلة المال حائلاً دون الإقدام على الزواج، فلا تدري نفسٌ ما هو المقدّر لها ولغيرها في المستقبل، فكثيراً ما تتبدل أحوال الغنى واليسر بأحوال البؤس والفقر وبالعكس، فالله (عز وجل) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدّر وفق الحكمة والمصلحة، فقال(عز وجل): (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، في هذه الآية وعد جميل بالغنى وسعة الرزق، وتنبيه على أنه يجب أن لا يكون الفقر عائقاً في سبيل الإقدام على الزواج، وهناك أيضاً تنبيه لذوي البنت أنه إذا تقدّم لخطبتها شاب صالح حسن السيرة فلا يمتنعوا عن تزويجها له لمجرد فقره، وكذلك تنبيه لذوي الشاب أن لا يؤخروا أمر زواجه لمجرد كسبه القليل، وتنبيه للشاب نفسه بأن لا يؤخر أمر زواجه انتظاراً للمزيد من الغنى بل عليه أن يقدم على الزواج متوكلاً على الله تعالى حتى وإن كان كسبه قليلاً، فإن الزواج كثيراً ما يكون السبب في إصلاح أحوال الإنسان، فكثيراً ما يتغلّب على نفقاته بمساعدة زوجته، كما أنه يعطيه الدافع لبذل الجهد في كسب معاشه؛ لشعوره بالمسؤولية، فعلى الإنسان تجنّب الدقة في الحسابات في هذا الباب، أما بخصوص عبارة (وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فهي تعني قدرة الله واسعة، سعة تشمل عالم الوجود كلّه، وعلمه واسع يحيط بما خفي وما ظهر من المقاصد والأفعال وخاصة إذا كان المتقدمون للزواج يقصدون المحافظة على عفّتهم، وبهذا يشمل الله (عز وجل) الجميع بفضله وكرمه. ................................... (1) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص176. (2) تفسير الأمثل: ج11، ص60-61. (3) الحياة السعيدة: ص176،181. (4) الخصال، ص141. (5)تفسير الأمثل: ج11، ص61.