رياض الزهراء العدد 141 منكم وإليكم
فِيتَامِين ضَاد
عندما أسمح لوعيي اللغوي بالتجوّل في خاطرتي أرى جزءاً لا يُستهان به من فكرتها يكاد يُقضَم لولا رحلة التجوال هذه، فما إن يسترسل المعنى إلى النص حتى تعمّ الفوضى ويدفعني الاسترسال بلا شعور إلى ارتكاب إثم لغوي، ولأنني من أكثر الناس براً بلغتي أبحر في لجّتها كي أغرف من كنوزها ما يروي ظمأ كتابتي، ويشذّب خاطرتي بما يليق بسبكها، كلّ ذلك كي لا أحرم النص من ذلك المعين الذي لا ينضب، والأثيل الذي لا يقرب، فلغتنا لها وقع يطرق الأسماع برنّات بلاغيّة ليس لها شبيه، وكأنها منسوجة من أنغام صمّمت كي تروي المعاني ريّاً سائغاً يثريها بمحتواها، ولمفرداتها حين تنطق موسيقى ندر مثيلها، من أجل ذلك تسيّدت على أخواتها من لغات العالم، إنها لغة الضاد الّتي توّجت باحتضان كلمات أعظم سفر في الدنيا، وهو القرآن الكريم الذي ضمّ في مكنونه صوراً بلاغية عميقة تدرّس إلى يومنا هذا. أجل، نطقتْ وتنطق العربية هوية العرب والمسلمين، وحفظتها في المحافل الدولية، وميّزت العرب كأمّة لها شخصيتها المختلفة عن باقي الأمم، فبرز مَن حرص على الحفاظ على تلك البصمة من أن تضيع معالمها وسط اللغات الأخرى, وعلى النقيض من ذلك كان لإهمالها أبلغ الأثر في طمس مفرداتها الثرية بالفصاحة والنادرة المثيل، ونحن في عالم اليوم حيث مواقع التواصل الاجتماعي تحكم سيطرتها على أوقات الفراغ واللافراغ، نرى تلك العربية الجميلة وقد بُخس حقُّها، وورّي عطاؤها في زخم اللغات بدعوى الحداثة الّتي طالت أذهان الشباب، ومع تقصير المعنيّين بالشأن اللغوي طفت على سطح الكلام مفردات أُقحمت قسراً داخل البلاط اللغوي العربي مع أن جذورها دخيلة على اللغة الأم معنىً ولفظاً؛ لذا نرى أنَّ من فروض الولاء لهذه الأم أن لا نعقّها عن طريق زجّ كلمات ترفضها المعاجم ولا ترغب بها حتّى كضيف يزور مملكتها. كذلك باتت المفردة الشعبية أكثر تداولاً، واستطاعت أن تزجّ بنفسها داخل المنظومة الفصيحة ممّا غيّب أخواتها عن الساحة الكتابية، لتدثر شيئاً فشيئاً أحلى كلمات ممكن أن يتفوّه بها اللسان العربي في خضم الإقحام اللامسؤول للّهجات الشعبية، ومع قليل من الأصوات المنادية بعودة اللغة العربية إلى مكانتها في التكلم والتعامل، وجعل حضورها قويّاً في وسائل الإعلام والقنوات والبرامج، نرى أنّ هناك حملات تضليل تطالها كونها لغة القرآن الكريم, وكمحاولة لتبديد أواصر الصلة بين المسلمين في العالم الإسلامي، وتفريق الأمّة عن طريق مؤامرات لإضعاف الانسان المسلم، واستهدافه عن طريق لغته أولاً، والذي شجّع ذلك مواقف منفرة من المجتمع تجاه الموضوع، وعدم أخذ الأمر بجديّة واهتمام. لتكن في هذه السطور دعوة لكلّ اللغويين إلى أن يحيوا ما دُثِر من جواهر لغتنا البديعة، وأن يصونوا تلك الدرّة الثمينة الّتي رزقناها حُليّاً تزيّن منطقنا ومقالنا.