رياض الزهراء العدد 141 منكم وإليكم
أَيتَامٌ صَنَعَتْهُم التّكنُولُوجيَا
تحاول القوى الاستكبارية هزّ هيمنة الإسلام العظيم بالوسائل كافة والطرق المتاحة، وفي يومنا الحالي استطاعت تكريس وسائل التواصل الاجتماعي للدخول في كلّ بيت، وفي عقل كلّ فرد من أفراد الأسرة المسلمة، ولتبعث إرسالات تنوي من خلالها تفكيك الأسرة، وجعلها في حالة انهيار. أصبحت الأم تنشغل عن أطفالها بتلك البرامج, واستحوذ على عقلها ما يبثّ على قنوات التواصل الاجتماعي من مبهرات ورونق يجعلها أسيرة لها, وكذلك الأب الذي يتعب في عمله ويعود إلى المنزل فيجد في تلك البرامج ملاذاً وترفيهاً يلجأ إليه بحجّة الراحة، ولكن الواقع يحدّثنا على لسان الأطفال وبوجوههم الحزينة عن مدى تأثير التكنولوجيا اليوم في العلاقة بين الآباء والأبناء، وكيف صنعت شرخاً بين الجيل المربّي والجيل الذي في مرحلة تحصيله المكتسبات الداعمة لشخصيته، ومرحلة بناء الذات والفكر. إنّ الوضع الاستقرائي لحال المجتمع يبيّن لنا ماهية المستقبل، وكيف سيكون عليه حال أبناء أمتنا الإسلامية، شريان الأمة وربيعها. فلا أنسى صراخ تلك الفتاة لأبيها في الحديقة وهو يحمل الجوّال في يديه غير مكترثٍ لأمرها، وهي تقول له لا تجعل الجوّال يأخذ فكرك ويشغلك عنّي يا أبي. ولا حياة لمن تنادي.. والفتاة مازالت تنادي.. وليست هي فقط؛ بل مثلها الكثيرون من الأطفال تستصرخنا براءتهم وعقولهم العطشى لاكتساب العلم والمعرفة، وقلوبهم المحتاجة إلى ذاك الود الأبوي والمحبّة من الأم. آباء اليوم وأمهاته خسرتم أنفسكم بجعلكم ألعوبة بين يدي الغرب حين انصرفتم عن رؤية بسمة على وجوه أطفالكم لتلهيكم صور وكلمات وقنوات وإرسالات، فلا تخسروا أطفالكم، فيخسر المجتمع كلّه جيلاً نحتاجه لدعم الأمّة، ونيل أعلى مراتب الارتقاء العلمي. كم من أمّ استطاعت أن تجعل القرآن الكريم رفيقاً لها ولأطفالها!، وكم من أب استطاع أن يجعل القرآن الكريم رفيق دربه مع أطفاله! كما جعلوا التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي رفيق دربهم، جاء في الكتاب الحكيم عن إرادة الشيطان غواية كلّ البشر إلّا من اتّبع الهدى ودرب الرسالة الإلهية والأوامر الربانية، قال تعالى: (..لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)/ (ص:82، 83)، وكانت الغواية عن طريق جنود إبليس (أمريكا والصهاينة) بصناعة برامج تهدّم بيوت المسلمين، قائمة على بثّ ما تصوّره للمسلمين بإشباع الرغبات، ومحاولة إعطائهم ما يغذّيهم عاطفياً وفكرياً، ولكن ليست التغذية المناسبة, بل هي طوفان مدمّر، وموجة هالكة أستطيع تسميتها ببركان العصر المدمر، وإن سموها بوسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنَّها ويا للأسف الشديد ولعدّة أسباب أصبحت وسائل التفكيك الاجتماعي بإرادتنا أولاً، ومن ثمّ باتّباعها وفق برمجة مسبقة من أصحاب القرار الأمريكي الصهيوني لتخريب الأمّة الإسلامية. قال تعالى: (..وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ..)/ (البقرة:168). ونحن في مقام المسؤولية أمام الله (سبحانه وتعالى) عن نفوس أطفالنا وعقولهم وأرواحهم، فلنجعل لهم أوقاتاً يعرفونها بأجمل أوقات العمر، ولا نترك لتلك الوسائل الدنية سبيلاً علينا, لتقوم بزعزعة أجمل علاقات أنعم بها الله تعالى علينا وأقدسها وجعلها طريقاً إلى الجنة. عزيزتي الأم، الجنّة تحت أقدامك، فاجعليها بين يديك، بعطفك وحنانك ومحبتك لأطفالك, والأب يا خيمة تستر أطفالك من غدر الزمان ومن رياح تهبّ من كلّ مكان، انتبه فأنت عماد الأسرة وربّها، وأنت الركن الأساس والمربّي والقدوّة. لكم كلّ احترامي وتقديري وتحياتي يا مَن بنيتم جيل اليوم فلنجعل اليوم، خطّة لغد أفضل تشرق فيها ابتسامات الأطفال، ولا يكون لليتم معنىً فيه أبداً.