رياض الزهراء العدد 141 منكم وإليكم
كَنْزٌ لا يَفْنَى
وضعت هيفاء حبتين من السكر في فنجان قهوتها، بينما ارتشفت حسناء قهوتها مرّة، فلم تشأ أن تتذوّق حلاوة السكر بعد اليوم، بل لم تشأ أن تعيش في ذاك البيت البارد الذي لا أثر فيه لحنان الأسرة وعطفها. شربت الأختان فنجاني القهوة مع قطعٍ من البسكويت المملّح، وغادرتا المنزل على عجلٍ إلى أقرب محلٍّ لبيع الزهور، وانتقتا باقة ورد فوّاحة الرائحة متناسقة الأغصان، تتناثر حبّات الندى من بين أوراق زهرها. لتذهبا بها لعيادة والدهما الذي يرقد في المشفى منذ عدّة أيام، وذلك على أثر نوبةٍ قلبية أُصيب بها من جرّاء سماعة خبر وفاة أخيه وصديق طفولته. لم يشأ أن يفصح عمّا في داخله من أسىً وشجن لفقد توأم روحه، لكن كتمان ذاك الحزن وعدم الإفصاح به جعل صحّته تتدهور إلى هذا الحد. سألت حسناء: كيف حالكَ اليوم يا والدي العزيز. أجاب: لستُ بحالةٍ جيدة، فإنّي لستُ على ما يرام، أشعر بأنفاسي تضيق. قالت هيفاء: لِمَ كلّ هذا الحزن يا والدي؟ لا يستحق الأمر كلّ هذا الحزن والتعب؛ فإنَّ رفيقكَ بجوار الربِّ الكريم. ردّ الوالد: الصداقة الحقّة لا تُعوّض، فهي كالمظلة كلّما اشتد المطر ازدادت الحاجة إليها، وها أنا قد عصفت بي السماء، وبدأ المطر ينهمر على رأسي، ولا أجد مظلّتي الّتي لطالما كانت يدي ممسكة بقبضتها في كلّ الأوقات والأماكن. أنهى الأب كلامه وضمّ يده اليمنى وكأنّ أحدهم جاء لاصطحابه وأمسك بيده، أغمض عينيه وارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، وراح في عالمٍ آخر.