رياض الزهراء العدد 80 معا نحو الظهور
الإمامُ المَهدِيُّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وَليٌّ إلهِيّ غَائبٌ عَن الأنظَار
إنّ أولياءَ اللهِ ـ بحَسْب نَظَر القرآن ـ على نوعين: 1. وَليٌّ ظاهرٌ يعرفُه الناسُ. 2. ووَليٌّ غائَبٌ عن أنظارِ الناس لا يعرفُه أحدٌ منهم، وإن كان يعيشُ بينَهم، ويعرفُ هو أحوالَهُمْ وأخبارهم. وقد ذُكر في سورة الكَهف كلا النوعين منَ الأولياء في مكانٍ واحدٍ، أحدهما "موسى بن عمران"، والآخر مصاحبُهُ ورفيقهُ المؤقّت، الذي صحِبَه في سَفَره البرّي والبَحْري، ويُعْرَف بالخِضر. إنّ هذا الوليّ الإلهيّ كانَ بِحَيْث لم يعرفُه مصاحِبهُ ومرافِقُه النبيُّ موسى وإنّما صاحَبَه ورافقه بتعليمٍ وأَمرٍ من الله، واستفاد من عِلمه خلال مرافَقَته إيّاه كما يقول تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)/ (الكهف:65،66). ثم إنّ القرآنَ الكريم يُقَدّم شرحاً مفصّلاً عمّا فَعَله هذا الوليُّ الإلهي من أعمال مفيدة، ذلك الذي لم يكن أحدٌ حتى النبيّ موسى (عليه السلام) يَعرفهُ، ولكن كانوا يَستفيدون من آثار وجوده المبارك ومن أفعاله المفيدة. إنَّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) على غرارِ مرافق موسى (عليه السلام)، وليٌّ غيرُ معروف للنّاس مع أنّه في الوقت نفسه منشأ لآثار طيبة للأمة، أي لا يعرفهُ أحَدٌ منهم مع أنّهم يَستَفيدون مِن بركات وجوده الشريف. وبهذا لا تكونُ غيبةُ الإمام المهَديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بمعني الانفصال عن المجتمع، بل هو ـ كما جاءَ في روايات المعصومين:ـ كذلك مثل «الشَمس خَلفَ السَحاب لا تُرى عينُها، ولكنها تبعَث الدفءَ والنورَ إلى الأرض وساكِنِيها». إضافةً إلى أنّ فريقاً من الأبرار والطيّبين الأتقياء الذين كانوا يَتمتّعون باللياقة والأهلية للتشرّف بِلقاءِ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، قد رأوه وَالتَقَوْا به، واستفادوا مِن إرشاداته وعُلُومِه، واسْتفادَ الآخرون من هذا الطريق، من آثارهِ المباركة وبركات وجوده الشريف. صحيح أنّ عِللاً مختلفة تسببت في غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فحرمت البشرية من الاستفادة المباشرة من ذلك الإمام، ولكنه - ولحسن الحظ - لم يغلق باب الاستفادة من وكلائه ونوابه - وهم الفقهاء العدول الأتقياء - في وجه أتباعه ومريديه، فالفقهاء والمجتهدون كانوا وما يزالون نوّابَ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الذين أوكل إليهم أمر بيان الأمور الشرعية والحكومية وإدارة شؤون المجتمع الإسلامي في عصر الغيبة إليهم، هذا مع العلم بأنّ حرمان الأمة الإسلامية من آثار حضور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كان لعلل وظروف خاصة، جعلت غيبته أمرا لا مناص منه. إنّ علة غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي من الأسرار الإلهية التي لا نستطيع الوقوف على حقيقتها وكنهها، كما أنّ لهذه الغيبة المؤقتة نظائر في حياة أولياء الله السابقين والأمم السابقة، من الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) وغيرهم. .............. بتصرف من كتاب: العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)