(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ)
(الحمد لله ربّ العالمين على نجاح المشروع الخيري)، قالت أم حسين وهي تجرّ أنفاسها بصعوبة لكنّها راضية مستبشرة. أمّ زهراء: إنَّه من فضل الله علينا أن وفّقنا لهذا العمل، فعلى الرغم الإمكانيات البسيطة فقد حقّق نجاحاً كبيراً من الناحية المعنويّة والماديّة. أمّ عليّ: هذا ما أودّ التأكيد عليه (ولعلّ جميعكنّ تشاركنني الفكرة) التركيز على الجانب الأخلاقي والنفسي في هذا المشروع. أمّ جواد: ما يسرّ القلب هو الاندفاع والإقبال على مساعدة المحتاجين، والتفاني لأجل رسم ولو ابتسامة لهؤلاء الناس المحرومين.. الجميع بالروحية نفسها والاندفاع نفسه. أمّ حسين: إنّها ثمرات حبّ محمّد وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. أمّ عليّ: رأيتُ التأسي والتخلّق بأخلاق أهل البيت (عليهم السلام) من بعض المشاركات، ما جعل عيني تفيض دمعاً، لقد جاءت ببعض ما صنعت يداها من فرش بسيط وأثواب أطفال، قائلةً: هذا ما أملك وأرجو من الله (عزّ وجل) القبول.. فلم أتمالك نفسي، فقبّلتها وعانقتها وقلت لها: إنّك أكرم منّي ومن كثيرين. أمّ حسين: وما كان ردّها؟ أمّ عليّ: لقد زادتني حبّاً واحتراماً لها عندما قالت لي: إنَّ المقاتلين والشهداء وعوائلهم الأكرم والأكثر عطاءً. أمّ عليّ: أقترح أن يكون إلقاء محاضرة ولو قصيرة في ضمن فقرات برنامجنا في المرّات القادمة إن شاء الله تعالى للتعريف بأهميّة أعمال الخير والبر, وأثر ذلك في الفرد والمجتمع. أمّ حسين: من المؤكّد أنّ أعمال البر لها أثرٌ في تماسك المجتمع ونشر الألفة والمحبّة بين أفراده.. وهي ممّا حثّ الله (سبحانه وتعالى) عليه الإنسان، وأكدّ عليه في القرآن الكريم. أمّ جواد: ما يُدهش العقل أنّ الله (سبحانه وتعالى) وهو مالك الملك يصف المُنفق كأنّما يقرض: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا)/ (البقرة:245). أمّ جعفر: وما أروعه من تشبيه لجزاء المنفقين، إذ يقول (سبحانه وتعالى): (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ..)/ (البقرة:261). أمّ حسين: وهناك أحاديث عن العترة الطاهرة، فحواها إنّ الصدقة تطفئ غضب الربّ وتدفع البلاء. أمّ زهراء: قد يتبادر إلى الذهن عندّ ذكر البر هو التصدق بالمال فحسب، ولكنّ الحقّ أنَّ أعمال البر لا تكون فقط مادية، إنَّها كثيرة وأساليبها مختلفة. أمّ عليّ: من البرّ النصح والتوجيه، وإزالة الأذى عن الطريق، مواساة الإخوان، وبرّ الوالدين والإحسان إليهما في حياتهما وبعد مماتهما. أمّ جعفر: ومن أجمل أعمال البرّ السعي في قضاء حوائج المؤمنين، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «مَن مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى يقضي له كتب الله تعالى له بذلك مثل أجر حجة وعمرة مبرورتين وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام».(1) أمّ زهراء: سبحانك اللهمّ وبحمدك. أمّ حسين: كذلك من أعمال البرّ إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، فعن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعتُ أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف يُحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا».(2) أمّ عليّ: الحقيقة أنّ أعمال البرّ متعدّدة وكثيرة تشير إلى سعة رحمة الله وتعدّد الأبواب للوصول إليها، فهي لا تنحصر بوقت معين أو أسلوب معين، إنَّه أكرم الأكرمين. أمّ زهراء: تبارك ربّنا وتعالى.. ولكن كلّ عمل من أعمال البرّ يبرز أكثر عند الحاجة إليه، مثلاً إذا ساد الجهل في مجتمع ما برزت الحاجة إلى التعليم والتثقيف، وإن كثر الفقراء والمحتاجون استوجب الأمر القيام بعمل جماعي يسدّ حاجاتهم، وهكذا في بقيّة أعمال البرّ. أمّ جواد: إنّ مجتمعنا بحاجة إلى كلّ أعمال البرّ، فهو بحاجة إلى الاستضاءة بنور العلم، وبحاجة إلى العيش الآمن. أمّ عليّ: نحن نعمل بما تعلّمنا، وعلى قدر إمكانياتنا وجهدنا، ومن الله العون. أمّ حسين: نرجو أن تكون أعمالنا من أعمال البرّ الخالصة لوجهه تعالى، باقيات صالحات حيث نلقاه.. وبأصوات الرجاء ونيّة العزم على مواصلة العطاء، آمين يا رب العالمين، وإلى الموعد القادم آمالٌ ودعوات تتجدّد. .............................. (1) الوافي: ج5، ص665. (2) الوافي: ج24، ص496.