آمِنَةُ زَهرَةُ قُرَيش
حرص العرب في جاهليتهم البعيدة على كرم النسب وطهارة الأرحام ونقاء الأصول، وقال ابن أكثم: لا يفتنكم جمال النساء عن صراحة النسب فإنّ المناكح الكريمة مدرجة الشرف(1) مثلما أنّ موقف الإسلام من المرأة من أقوى الدلائل على أنه كرّم النوع الإنساني بعامة، سواء الذكر أو الأنثى لا فارق بينهما، وكذلك التاريخ الذي ضمّ الشخصيات العظيمة من الرجال الذين كان لهم النصيب الأكبر إلّا أنّه يقابلهم من الشخصيات النسوية الكبيرة والعظيمة والخالدة إلى يومنا، فمنهنّ من أوكل (عزّ وجل) إليهنّ تربية أبنائهنّ الأنبياء دون الآباء، كأمّ النبيّ موسى (عليه السلام)، وأمّ النبيّ إسماعيل (عليه السلام)، وآمنة بنت وهب وهي أمّ نبيّنا محمد (صل الله عليه وآله)، وغيرهنّ من النساء، فلذلك دونهنّ التاريخ والعقل. من هذه السطور الّتي تتحدث عن شخصية عظيمة وذات أثر وطابع إلى اليوم تذكر تلك الذات الكبيرة المعطاء، فيكفيها فخراً أنها أمّ آخر الأنبياء، كانت أفضل امرأة في قريش شرفاً ونسباً وموطناً، وهي مثال المرأة المثالية، لذلك استحقت أن تتزوّج من ذلك الرجل الذي في صلبه النبوة، والد رسول الله (صل الله عليه وآله) عبد الله بن عبد المطلب، فآمنة بنت وهب خُلّدت في قلب أهل مكة، وفي قلب ابنها سيّد البشر. آمنة هي عطاء البيئة والوراثة، وقد جرت في عروقها دماء الأصول الأولى، ونمّتها العوامل الّتي تركت طابعها الخاص في كلّ ما أحاط بها من ظروف الزمان والمكان. إنّ شخصية آمنة المؤثرة جعلت من ولدها كائناً عجيباً عامر القلب، ارتقى بالأمومة إلى ما فوق البشرية، فوضع الجنة تحت أقدامها، تلك المرأة الطاهرة الزكية الّتي حملت بخير الخلق أجمعهم وخاتم النبيين (عليهم السلام). وكانت السيّدة آمنة وفيّة لزوجها عبد الله والد الرسول محمد (صل الله عليه وآله) بعد وفاته، فكانت تخرج في كلّ عام إلى المدينة لتزور قبره. حفظته في حياته وفي مماته، وشاركته حياته فكانت فعلاً شريكة حياته، فالكثير في زمننا هذا متزوج لكن القليل لديه شريكة حياة، فاختيار الزوج أو الزوجة يعتمد على حسن أخلاقكم، فلا تقترن الخبيثة بالطيب ولا الطبية بالخبيث؛ لأنّ قول الله حقّ كما في قوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ..)/ (النور:26). فكان أساس الأسرة هذه الخلية الناضجة المباركة من الأب والأم، من أشرف الناس وأطيبهم وأطهرهم وهذا دليل على قول الله تعالى: (..وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ..)/ (النور:26). .................................... (1) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء.