رياض الزهراء العدد 140 لحياة أفضل
سَعَادَتُهُم _ صَلاحُنا يُؤدّي إلى إصلَاحِهم
بين اليوم والأمس، فرق الأذان عن الهمس، بل فرق الظلام عن الشمس، كان أولادنا على الرغم من حالة عدم الرفاهية التي عاشوها مكتسين بالقناعة، وممتلئين بروح المسؤولية، بخلاف أغلب أولادنا اليوم، فإن أرادوا شيئاً ترفيهياً علينا تحقيقه بلمح البصر وإلّا فسينتقدون ويلحّون، وإذا أردنا منهم عمل شيء يتهربون ويتضجرون، فيا تُرى، ما الفرق بين هذا الزمان وذاك؟ سيقول قائل: العنف مَن أصلح أولئك، والدلال مَن أفسد هؤلاء، نقول: لا، ليس العنف مَن أصلح أولئك، فالعنف شرّ ينتج الشر، بل الحزم أصلحهم فضلاً عن توفيق الله (عزّ وجل)، وليس الدلال مَن أفسد هؤلاء، بل هنالك أمور أخرى سنذكر بعضاً منها كالآتي: إنّ عقوق الآباء والأمهات بات كثيراً في مجتمعنا، ما جعل التوفيق يُسلب من أغلب أبناء العاقين وبناتهم؛ لأنّ النية لصلاح الأولاد والدعاء والتوفيق لذلك إنما تبدأ من برّ هذين الوالدين بآبائهم من قبل، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)/ (الأحقاف:15). إنّ عدم الاحترام المتبادل بين الأب والأم يقلّل من احترام ولدهما لهما؛ لذلك فهما بهذا الحال إذا أمراه لا يأتمر، وإذا نهياه لا ينتهي، لتزلزل صورتهما بعينه، وقد ثبت بالتجربة أنّ الأبوين إذا كانا متنازعين يكون طفلهما كثير النزاع، ولا ينتهي إذا نُهي، ولا يأتمر إذا أُمر. إذا كان الأبوان متنازعين في تربية ولديهما حتى لو كانا متفاهمين في باقي الأمور، فهذا أيضاً يسبب عدم طاعته لهما؛ لأنّ الأب إذا أمره خالفته الأم وبالعكس، فيأتيه الأمر أو النهي على خلاف، فهو بذلك أيضاً يحبّ أن يخالف. إنّ أغلب الأسر لا تسير بسنّة النبيّ (صل الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) عن طريق تأكيدهم على أنّ الولد سيّد سبع سنين، أي: سيّد باللعب وعلى الوالدين أن يعطيا له حريته في هذه المدة بما لا يؤذيه، لكن إذا لم يُعطَ حقّه باللعب في المدة المعينة، فإنهُ سيرغب في تعويض هذه السيادة لمدة غير مناسبة تماماً، وهي مدة السبع السنين التي على الولد أن يكون فيها كالعبد بالطاعة أو كالوزير بالمشاورة، فقد نصّت الروايات عن رسول الله (عزّ وجل) أنه قال: «الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين..»(1) لكنه لمّا لم يعطَ حقّه في السيادة في المدة المقررة صار يعوّضها بالمدة الأخرى بالتمرد المفرط والشغب، فوالداه إذن هما مَن جعلاه عبداً في وقت يجب أن يكون فيه سيّداً، وسيّداً في وقت يجب أن يكون فيه عبداً، وعلى العموم فإنّ الدعاء لإصلاح الذرية أمر لا غنى عنه، بل هو من صفات المؤمنين حقاً، قال تعالى وهو يصف عباده: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)/ (الفرقان:74). ................................... (1)ميزان الحكمة: ج1، ص57.