رياض الزهراء العدد 80 بحوث إسلامية
السيّدةُ الزَّهراءُ حُجّةٌ علَى الأَئِمّة (عليهم السلام)
الحجّة هو الدليل إلى الله (سبحانه وتعالى)، يحذّر به عباده وينذرهم ويهديهم، فمقام الحجية إلهي تصل بواسطته العلوم الإلهية اللدنية إلى عباده. قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): "نحن حجج الله وأمنا فاطمة حجّة الله علينا".(1) يشهد لهذا المعنى ما ورد عن مصادر علومهم كالجفر والصحيفة والجامعة، وأنّ منها مصحف فاطمة (عليها السلام) مما يدلّ على كونها واسطة علمية بين الأئمة (عليهم السلام) وبين الله تعالى في العلم المحفوظ في مصحفها المتعلّق بما يكون إلى يوم القيامة، فهي حجة بهذا العلم الجمّ على الأئمة (عليهم السلام)، يأخذون به نظير حجيّة النبي (صلى الله عليه وآله) في القران الذي هو مصدر علوم الأئمة (عليهم السلام)، وليست وساطتها (عليها السلام) لذلك العلم عبر نقش وخط ذلك المصحف، إذ الوجود (الكتبي) لمصحفها وجود مادي لحقائق ذلك العلم الذي ألقي إليها، وإنما واسطتها بلحاظ عالم الأنوار لهم (عليهم السلام) كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)مسنداً عن سلمان، قال: دخلتُ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما نظر إليّ قال: "يا سلمان إن الله(عز وجل) لم يبعث نبياً ولا رسولا إلا جعل له اثني عشر نقيبا"، قال: قلت: يا رسول الله قد عرفت هذا من الكتابين، قال: "يا سلمان، فهل علمت نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟" فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: "يا سلمان خلقني الله من صفاء نوره، فدعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً، فدعاه إلى طاعته فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي (عليه السلام) فاطمة، فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي ومن فاطمة الحسن والحسين، فدعاهما فأطاعاه، فسمّانا الله(عز وجل) بخمسة أسماء من أسمائه: فالله المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله فاطر وهذه فاطمة، والله الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين، ثم خلق من نور الحسين تسعة أئمة، فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماءً مبنية أو أرضاً مدحيّة، أو هواءً أو ماءً أو مَلَكاً أو بشراً، وكنّا بعلمه أنواراً نسبحه ونسمع له ونطيع".(2) فهذا التسلسل النوريّ الذي ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يبيّن لنا عظمة الزهراء (عليها السلام)، وأنها واسطة فيض نورانية للائمة (عليهم السلام)؛ لتقدّمها عليهم في النورانية، وهذا معنى كونها واسطة إفاضة على أولادها المعصومين (عليهم السلام)، فهي من ثمّ حجة عليهم. ما هو مصحف فاطمة؟ عن أبي بصير قال: سألتُ أبا جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) عن مصحف فاطمة... قال: "فيه خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في السماوات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كلّ من خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء مَن كذَّب ومَن أجاب، وأسماء جميع مَن خلق الله من المؤمنين، والكافرين من الأوّلين والآخرين، وأسماء البلدان وصفة كلّ بلد في شرق الأرض وغربها وعدد ما فيها من المؤمنين وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كلّ من كذّب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومَن ولِّي من الطواغيت ومدّة ملكهم وعددهم، وأسماء الأئمّة وصفتهم وما يملك كلّ واحداً واحداً، وصفة كبرائهم وجميع مَن تردّد في الأدوار" قلت: جُعلت فداك وكم الأدوار؟ قال: "خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار، وفيه أسماء جميع مَن خلق الله وآجالهم، وصفة أهل الجنّة، وعدد مَن يدخلها، وعدد مَن يدخل النار، وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما أُنزل، وعلم التوراة كما أُنزلت، وعلم الإنجيل كما أُنزل، وعلم الزبور، وعدد كلّ شجرة ومدرة في جميع البلاد... " قلت: جعلت فداك فلمَن صار ذلك المصحف بعد مضيّها؟ قال: "دفعته إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمّا مضى صار إلى الحسن (عليه السلام)، ثمَّ إلى الحسين (عليه السلام)، ثمَّ عند أهله حتّى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر (عليه السلام)".(3) عن الإمام الصادق (عليها السلام): "... ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناُ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد، حتى إنّ فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرشُ الخدشِ...".(4) وفي رواية أخرى يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "...وليخرجوا مصحف فاطمة (عليها السلام)، فإن فيه وصية فاطمة (عليها السلام)...".(5) فليس مصحف فاطمة (عليها السلام) مما تقدّم مقتصرا على جانب علمي معين، بل يشمل علوماً عدة أشار إليها الإمام (عليه السلام)، كالحوادث، وعلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، كما أن فيه أحكاماً تفصيلية (حتى أرش الخدش) مع ملاحظة أن قول الإمام (عليه السلام): "فليخرجوا مصحف فاطمة" حين اختلافهم وغصبهم للخلافة، فيه تبيان أنّ فيه أسماء (خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله)) الأئمة المنصوص عليهم، وهم من أُنزلت أسماؤهم في اللوح الأخضر الذي كان حجة في تعيين الأئمة بنص منه تعالى، أيّ أنّ لمصحفها أهمية وشأناً في تحديد منصب الإمامة الإلهية، ونظير ما كان لمريم (عليها السلام) من مقام حيث أُلقيت إليها كلمة الله عيسى (عليه السلام) وكان لها مسؤولية البشارة بنبوته للناس. ................................ (1) فاطمة الزهراء سرّ الوجود: ج5، ص4. (2) بحار الأنوار: ج25، ص6. (3) فاطمة بهجة قلب المصطفى: ج1، ص59. (4) الكافي الكليني: ج1، ص354. (5) الكافي الكليني: ج1، ص354.