الوَطَنُ.. فِي أحْلَى كَلَامٍ!

آلاء سعيد العيدني/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 270

الوطن هو الهوية والانتماء, والأرض التي ينشأ عليها الإنسان ويتوارثها, وهو الأمن والأمان. هو الذي يؤمِّن لنا مستلزمات الحياة من طعامٍ وشرابٍ ومأوى، كما يؤثّر تأثيراً بالغاً في تكوين شخصيات مواطنيه بما يُرسِّخ فيهم العادات والتقاليد والأعراف والمعتقدات، ولذلك لا يستطيع الإنسان العيش دون وطن يحميه ويدافع عنه ويرعاه ويقدّم له الحقوق والخدمات المختلفة والمتنوّعة. ماذا يعني لنا الوطن؟ سؤال صغير بمنطوقه، كبير بمعناه, فلكلّ فردٍ منّا أحلام، وأمنيات، وطموح، ومستقبل يرسمه منذ صغره ليكبر عليه ويحققه خطوة بخطوة، وكلّ هذا لا يتحقق إلّا إذا كان لدينا وطن يقدّم لنا ما نحتاجه ويحتضننا في السرّاء والضرّاء. فسؤال لابدّ من طرحه على طاولتنا ونعرض فيه أراءَ فئاتٍ متنوّعة وفي مجالات متعددة لاسيّما في هذا الظرف العصيب الذي يمر علينا وعلى وطننا الحبيب، فما هو واجبنا تجاه وطننا الذي يعاني صراعاً قويّاً وغزوات متنوّعة وكثيرة، وكيف نصدّ هذه الهجمات؟ فما هذا الوطن بالنسبة لنا؟ لقاؤنا الأول ابتدأ من الطفولة والبراءة والمستقبل؛ مع وارث جعفر طالب في الصف الأول الابتدائي. رياض الزهراء (عليها السلام): ماذا يعني الوطن بالنسبة لك؟ فأجاب بكلمات تملؤها المثابرة والطموح قائلاً: الوطن يعني الأب الكبير الذي نقوم بطاعته، فأنا أدرس واجتهد لكي يفرح والدي بنجاحي، وكذلك وطني يحبُّ النجاح والتفوّق؛ لأنَّ العلم يجعل وطني عالياً بهمّةٍ ونشاط. جيل المستقبل صرح للوطن بناه المعلّم وللمعلّم الدور الكبير عن طريق مهنته في بناء جيلٍ للمستقبل سيكون يوماً اليدَ التي تبني الوطن عن طريق نجاحهم وتفوّقهم وتجاوز العقبات التي تواجههم، وفي ذلك السياق توجّهت رياض الزهراء (عليها السلام) إلى مربّية الأجيال التربوية الست مريم؛ كونها تنشئ جيلاً واعياً مثقفاً لبيان رأيها؛ إذ قالت: لكي تكون نافعاً لبلدك عليك أولاً أن تكون نافعاً لنفسك وذلك عن طريق تطوير نفسك والعمل على النهوض الثقافي والمعرفي بها، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وكلّ منّا عليه أن يبدع في مجال عمله واختصاصه لتحقيق مبتغاه وتنفيذ واجبه تجاه وطنه بالإخلاص والمثابرة والتقدّم وهذا ما نحن بحاجة إليه اليوم. حبُّ الوطن أفعال ملموسة لا أقوال كالسراب ومن وجهة نظر الناشط المدنيّ منتظر حلاوي؛ إذ عبّر عن سعادته بذلك الموضوع المطروح ألا وهو الوطن، وكيف يعبّر عن الغالي إلّا بالغالي فقال: إنّ مفهوم الوطن ليس معروفاً لدينا فعلياً, سوى معرفته كلامياً، فقبل أن تفكّر بحقوقك تذكّر واجباتك تجاه وطنك، والسعي للعمل على الارتقاء بوطنك وبلدك الذي احتضنك منذ ولادتك، فالأوطان لا تنهض ولا تتقدّم إلّا بجهود شبابها المتعلّمين، وأن تتحلّى بالأخلاق والصفات الحميدة فهي أساس النجاح والتطوّر والازدهار، وهي المرآة التي تعكس حضارة بلدنا وتظهر ما تربّينا عليه. مرفأ احتضن القداسة والتاريخ العريق وارتسمت تعابير الفخر على ملامح رجل الدين حينما وجّهت رياض الزهراء (عليها السلام) إليه كلمة (الوطن وشعورك نحوه)؟ الشيخ ماجد التميميّ أجاب: لابدّ من النظر بإيجابية لهذا المرفأ الذي قد احتضن بين ثناياه أكرم المخلوقات وأفضل من خلق الله (عزّ وجل) بعد رسول الله (صل الله عليه وآله) الإمام عليّ (عليه السلام) والثلّة الطاهرة من ولدهِ الذين ببركاتهم تُنال الخيرات وتتوزّع الرحمات، فعلى أرضه كانت تُسقى منابر العلماء بالفيض والبركات فتخرّج العلماء والمبدعون والمفكّرون، وكانوا أساساً في تاريخ عريق وكبير. فمن بين أراضيه اليانعة ولد الشعراء والأدباء فسقوا بشعرهم وأدبهم وديان الجبال، والسهول، والصحاري فكانوا مدرسة ينهل منها رواد الشعر والأدب، ولذلك يجب على كلّ فرد يعيش على تربة هذا الوطن ويتغذى من خيراته أن يُقدِّس هذا الوطن قلباً وقالباً في تصرّفاته وسلوكه، بحيث تعكس صورة وطننا وحضارتنا وأمجادنا الحقيقية، وما نشهده اليوم من غزوٍ داعشي يريد إسقاط الدين وهدم المجتمع، فحريٌّ بنا التمسّك بمبادئنا والثبات على وحدتنا وهذا أهم ما نقدّمه لبلدنا في هذا الوقت. وعِبر التاريخ نجد أنَّ المرأة صاحبة مواقف وطنية مختلفة تتجدد وتبهر العالم بعطائها كالاختراعات والتضحيات والدفاع عن وطنها ليس فضلاً وإنّما هي الفطرة. الالتزام بالقوانين الإلهية والوضعية طريق إلى المحبّة والتسامح بين أبنائه أم محمّد رضا/ مديرة مدرسة/ وكانت كلمة الوطن تعني لها الكثير فعبّرت عنه: يتحتّم علينا عدّة واجبات لا تسقط أبداً منها: النصح العام بما يرشد المجتمع ويعينه على الالتزام بالعمل بما يرضي الله سبحانه، والالتزام بالقوانين الداخلية التي تهم المجتمع نفسه حتى يصبح مجتمعاً ينعم بالعدل، والأمن، والاستقرار، وكذلك الحث على التحصيل العلمي، وزيادة المعرفة، والتنمية الثقافية، وإيجاد روح التعاون والمحبّة بين أفراد طوائفه، وحب الخير فيما بينهم. واتفقت معها بالرأي (أم أسراء/ ربّة بيت) فتحدّثت: هناك الكثير من الواجبات المناطة تجاه وطني، تكون عن طريق عدّة أمور أهمّها: تعميق الرابطة عن طريق الحب والتفاني من أجله، وجعله المرفأ والمكان الذي لم ولن أتنازل عنه حتّى وإن أُعطيت لي كلّ مغريات الراحة في مكان آخر، وكذلك محاولة السعي في نهوض الطاقات التي تُعدُّ النواة الأولى في بناء مستقبله، وذلك عن طريق توعية من حولي أولادي وأخواتي وممّن لي تأثير فيهم، ومحاولة بناء عقيدة قوية مبنية على حبِّ الوطن وربطها بثقافات أخرى؛ لكي يكونوا على أتم الاستعداد للوقوف بوجه من يحاول النيل من قيمة الوطن، ولابدّ من الوقوف أمام كلّ التيارات الجارفة التي تُسيء له وترخص من قيمته. كما ترى المهندسة زهراء أنّ: الولاء للوطن هو أن يكون كلّ مواطن أنموذجاً في الإخلاص, كلٌّ حسب موقعه, الطالب في مدرسته, والموظّف في وظيفته, والكاسب, ورب الأسرة, والالتزام بالأنظمة والقوانين, وعدم الخروج عنها, فهذه أمور فيها الوطن يزدهر ويتقدّم؛ لأنَّ العمل يكون خالصاً لمصلحة الوطن دون مقابل. وتحدّثت عن نفس الموضوع وكأنّها تتحدّث عن ابنها البطل الباحثة الاجتماعية زينب تركي، فوصفت الوطن: إنّ قضية الارتباط بالوطن والولاء والحب هو من الأمور المهمّة في بناء شخصية الإنسان والمجتمع الصالح؛ لذا نجد أنَّ هناك أحكاماً في الفقه الإسلامي مترتّبة على هذا العنوان؛ لِما له من أهمية. وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام عليّ (عليه السلام): «حُبُّ الوطن من الإيمان»(1)، فالحب للوطن يكون علامة على الإيمان عندما يكون حبّاً مبنياً على أسس ومبادئ صحيحة، وهذه المسؤولية ملقاة على عاتق الأهل أولاً، والمدرسة ثانياً، فعليهما أن يقوما بغرس حب الوطن والولاء منذ الصغر لينمو ويكبر معهم، ومن ثمّ سوف يدفعهم عندما يكبروا للحفاظ عليه، والعمل على تطويره، والدفاع عنه، فعمّرت البلدان بحبّ الأوطان. وطن الرافدين حبّه يروي الظمآن إلى الحرية مهما مرّت سحابات حبلى بالنكبات والشدائد على وطني يبقى هو المكان الذي يستوعب آمالنا؛ لأنَّ أحلامنا وأهدافنا ومستقبلنا به وفيه وإليه. ................................... (1)ميزان الحكمة: ج4، ص3566.