رياض الزهراء العدد 140 الحشد المقدس
عَلَى صَهْوَةِ البُطُولَة
تعدو أشجار الكاربس على مرآة السيارة الجانبية، ترافقها ألوان الأبنية السائرة إلى الخلف بينما تنهب السيارة الأرض الإسفلتية الممتدة تحت أشعة الشمس الذهبية، ما أشبه التماعها بخصلات شعر (آيات). تحسّس خدّه متلمساً آثار تلك الخصلات عليه، وفي روحه عطرها وهي تضمّه هذه المرة بقوة أكثر، وكأنها تقول: أبي.. اجعلني جزءاً من روحك كي أبقى معك، إيه يا بنيّتي، أنتِ روحي كلّها. لمعان عينيها المغرورقة بالدمع يشبه لمعان عينيْ جدتها (أمّه) وهي تسكب الماء في إثر خطوته قائلة: (الله ومحمّد وعليّ وياك يمّه، مّودع بيد الزهرة أم الحسين)، ثم اختفى صوتها وربّما غلبته العبرة فاختنق. أطرق (عليّ) رأسه متيحاً لدمعته السقوط على ذراعه المتكئة على شبّاك السيارة، فجذب نظره لون الخيط الأخضر المشدود على رسغه، وطفح في عينه وجه (أسماء)، آه يا حلم الصبا والشباب، فتبسّم ودار في خلده حديثها وهي تربط هذا الخيط على رسغه قائلةً: جلبت هذا الخيط من شبّاك أبي الفضل (عليه السلام)، (عليّ) هذا ليس مجرد خيط، إنها قلوبنا معلّقة بيدك، فلا تظنّ أنك وحيداً في المعركة، قلوبنا ودعاء أئمتنا معكم يا عليّ، فاضرب بيد تطلب الثأر لعين أبي الفضل (عليه السلام) ولا تدع الإمام الحسين (عليه السلام) وحيداً يطلب ناصراً ودونك الشهادة والجنة، ثم بكت وأطرقت هامسةً: عدْ لي منتصراً سالماً. أسند رأسه إلى مقعد السيارة وهو يسحب نَفَساً عميقاً وتحدّثه نفسه، آه يا وطن العذوبة والأحباب، كلّ نسمة منك تدخل الرئة تعانق القلب، كأنه في شوق دائم إليك. لفح وجهه رمل ساخن، ففتح عينيه وكأنّ ذاك الرمل أيقظ مواجع كربلاء في داخله، تُرى أيّ رمل لفح وجه الإمام الحسين (عليه السلام) حين بقي وحيداً!؟ فصرخ ألا من ناصر ينصرنا ألا من.. انتصب عليّ في جلسته وقد ذابت ذكرياته وأشواقه ومواجعه ونطقَ لبّيك.. لبّيك يا حسين.. لبّيك يا إمام السلام والحرية.