رياض الزهراء العدد 140 النور الزاهر
كَفَى بِي عِزّاً
(أنتم عباد الله) بهذه العبارة وهذه الصيغة وجَّهت الزهراء (عليها السلام) خطابها لمن في المجلس ولنا! لتنبّهنا ولتلفت انتباهنا لأمرٍ مهم. كلمة أَجِد فيها حلاً وعلاجاً لكلِّ مشكلة، وإجابةً لكلِّ سؤال! كلمة تعطينا منهجاً وبرنامجاً يحقق لنا الخير والسعادة والعزّة. هي نفسها كلمة الله، كلمة الأنبياء والأوصياء عليهم الصلاة والسلام، وهي أن نكون عبيداً لله (عزّ وجل)، أي أن نعرف مَنْ نحن؟ (مَنْ أنا ومَنْ أنتم؟). فسبب كلّ مشكلة نفسية أو جسدية أو اجتماعية أو اقتصادية هي أننا لا نعرف مَنْ نحن؟ ننسى أو نتناسى أننا عبيد ومن ثمّ نقع في المشاكل! فنبيّ الله وروحه عيسى (عليه السلام) قال وهو في المهد، وكان أول كلام له (عليه السلام): (..إِنِّي عَبْدُ اللهِ..)/ (مريم:30). والله (سبحانه وتعالى) يصف أنبياءه (عليهم السلام) فيقول في وصف رسول الله (صل الله عليه وآله): (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ..)/ (الإسراء:١). مثلما أمرنا أن نشهد له بأنّه عبده ورسوله، وهذا أكبر افتخار له (صل الله عليه وآله). وقال: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ..)/ (ص:٤١)، وغيرها من الآيات المباركة. ففي العبودية حرّيتنا وعزّتنا وفِي ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إلهي، كَفَى بِي عِزّاً أنْ أكونَ لَكَ عبداً، وكَفَى بِي فَخْراً أنْ تكونَ لِي ربّاً».(1) صحيح أنّنا ومع كلّ الموجودات من الناحية التكوينية عبيد لله (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)/ (مريم:93)، إلّا أنَّ الإنسان يختلف عن غيره من المخلوقات بأنّه مختار ومريد، هو تكويناً عبدٌ ولكن تفعيله وتطبيقه العملي باختياره وإرادته. وقد وضّحت الزهراء (عليها السلام) وقالت: (تعبّداً لبريته) تعبداً تعني باختياره وإرادته يتعبّد ويعبد الله (سبحانه وتعالى). فالعبودية تعني الطاعة والتسليم المطلق لله (عزّ وجل)، فكلّما صار عبداً زاده الله تعالى فضلاً وكان سبباً لشمول الرحمة والفضل. فلا يمكن لأحد أن يتصوّر أنّه لا يستطيع تحقيق القرب الإلهي أو أن يحقق الخير والسعادة من دون الطاعة، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)/ (الأحزاب:٧١). ومن أجل ذلك وجب علينا الآن أن نعرف ما دورنا؟ وما هي مسؤولياتنا؟ لأننا فقراء (أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)/ (فاطر:١٥)، فالعبودية لا تتحقق إلّا بالالتزام بالشريعة والتكاليف، والاهتمام بالمستحبّات وترك المكروهات والمحرّمات. هذه الأحكام هي المسؤوليات التي بأدائها سنحيا وسنحقق السعادة وستُحل كلّ مشاكلنا، فنبيّ الله وروحه عيسى (عليه السلام) بعد أن قال: (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) بيّن الدور والوظيفة فقال: (آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)/ (مريم:٣٠). كذلك الزهراء (عليها السلام) بعد أن قالت: (إِنِّي عَبْدُ اللهِ)، قالت: (نصب أمره ونهيه) نصب: يعني أنتم أول المخاطبين بالأوامر والنواهي، «أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ..».(2) وقد ختمت هذه الفقرة بآيات تؤكّد أنَّ العبد والعالم الحقيقي الذي يلتزم بالتكاليف والواجبات ستغرس لديه وتنمو الخشية من الله (سبحانه وتعالى)، (..اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)/ (آل عمران:102) وَأطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه (..إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..)/ (فاطر:28). ................................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص332. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص55.