لذّةُ الاكتشاف_الوبال الدنيوي لبعض الذنوب
إنّ المعاصي على اختلافها واختلاف آثارها ونتائجها وعواقبها، هي كلّها موبقة ولها مراتب مختلفة من الظلمة والقسوة والتسافل والانحدار الأخلاقي. فكلّ معصية لها آثارها القلبية ومساوئها الاجتماعية فضلاً على التأثير السلبي لفعل الكبائر منها في الحوادث السماوية والأرضية، وعلى هذا فلابدّ لنا من معرفة كبائر الذنوب لكي يتسنى لنا الابتعاد عن فعلها والتخلّص من وبالها الدنيوي، فضلاً على العذاب الأخروي. فكان مدار حواريتنا لهذا اليوم مع والدتي حول كبائر الذنوب وصغارها وآثارها، فأجابت: في البدء لابدّ لنا من التعرف على الكبائر والصغائر من الذنوب، ومن ثمّ علاقتها مع بعضها البعض وآثارها. يتبيّن لنا من الآية المباركة: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ"/ (النساء:31) أن المعاصي قسمان كبيرة وصغيرة. إن العصيان والتمرد كيف ما كان كبير وأمر عظيم بالنظر إلى ضعف المخلوق في جنب الله عظم سلطانه، فكلّ معصية هي تمرّد على سلطان الله جلّت عظمته، وهي كبيرة في نفسها ولكنها إذا قيست إلى معصية أخرى أعظم منها جرماً وأثراً فعندئذ تكون صغيرة في قِبالها، والآية الكريمة تقرع أسماع المؤمنين وتبيّن لهم أنهم إن اجتنبوا بعض من المعاصي كُفّر عنهم بعضها الآخر، وليس ذلك إغراء على ارتكاب المعاصي الصغار، فإن ذلك لا معنى له؛ لأن الآية تدعو إلى ترك الكبائر، فإذا ارتكب الصغيرة من جهة أنها صغيرة لا يعبأ بها ويتهاون في أمرها يعدّ هذا مصداقاً من مصاديق الطغيان والاستهانة بأمر الله عز وجل وهذا من أكبر الكبائر. بل الآية المباركة تُعدّ تكفير السيئات من جهة أنها سيئات، فلا يخلو الإنسان المخلوق من الضعف المبني على الجهالة من ارتكاب السيئة لغلبة الجهل والهوى عليه وحينما يلتفت إلى فعله سرعان ما يندم ويرجع عنه فأمثال هذه تُعدّ صغيرة في قِبال ذنوب ورد ذكرها في روايات الأئمة المعصومين عُدّت من الكبائر، ففي رواية عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: “دخل عمرو بن عبيد البصري على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فلما سلّم وجلس تلا هذه الآية: "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ" ثم أمسك، فقال أبو عبد الله: ما أسكتك؟ قال: أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله، قال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الشرك بالله لقول الله عز وجل "اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ"/ (النساء:48)، وقال: "مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ"/ (المائدة:72)، وبعده اليأس من رَوْح الله؛ لأن الله يقول: "لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"/ (يوسف:87)، ثمّ الأمن من مكر الله لأن الله يقول: "فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" / (الأعراف:99)”(1)، ومنها عقوق الوالدين، ومنها قتل النفس المحترمة وغيرها من الموبقات الكبائر المذكورة في الكتب الفقهية، وهي لها من الوبال الدنيوي فضلاً على العذاب الأخروي قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"/ (الروم:41) فالمراد بالفساد هو المصائب والبلايا من الزلازل وقطع الأمطار والأمراض السارية والحروب وارتفاع الأمن، وهذا كلّه يحدث جرّاء ما كسبت أيدي الناس لوجود رابطة مستقيمة بين أعمال الناس والحوادث الكونية يتأثر إحداهما من صلاح الأخرى وفسادها قال تعالى: "لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا"/ (الروم:41) أي ظهر ما ظهر من الفساد ليذيقهم الله سبحانه وتعالى وبال بعض أعمالهم السيئة التي هي الكبائر من الذنوب التي ورد التشديد عليها في النهي. ............................. (1) تفسير الميزان، ج4، ص112.