الصِّبْغَةُ العِبَادِيَّةُ للسّيّدَةِ الزَّهْرَاء (عليها السلام) وَأبْعَادهَا الاجْتِمَاعِيَّة

د. راغدة محمد المصري/ لبنان
عدد المشاهدات : 678

الصبغة العبادية صفة ملازمة للمجتمع الإسلامي كتلازم الروح للجسد، أكّد عليها القرآن الكريم: (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)/ (البقرة:138). تُطلق تسميات مختلفة على صبغة الله منها: الفطرة، التوحيد، هي كلّ ما تقرّب به(1)، معرفة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية والميثاق(2)، وقيل: إنّها الولاية وهو باطن الآية(3)، ويمكن القول إنّ الصبغة هي الاعتقاد الفكريّ والروحيّ، والاتّباع العمليّ الّذي يُعطي الرفعة والمكانة السامية في الدنيا والآخرة، هي تشخيص الهويّة لفرد أو جماعة متميّزة بالفكر والعقيدة والقيم والسلوك. وقد تجلّت الصبغة العبادية لدى السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأدوار مختلفة، مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسموّ الروحيّ للإنسان، لتكون النموذج المحوري النابض للمرأة في حركة المجتمع والتاريخ. ومن أبرز أدوارها: إنَّ من أبرز أدوارها حفظ الهوية الإنسانية التكاملية؛ إذ تمثّل الزهراء (عليها السلام)، الامتداد الرسالي لحركة المرأة في التاريخ الإنساني، ومن خلالها استمر خط النبوّة المتمثّل بالإمامة، فجسدت شخصيتها وهويّتها الكمال في قيمة الإنسانية، فهي (فاطمة سيّدة نساء العالمين). وهي النموذج الأسمى للأسرة القدوة، فهي الابنة البارّة المفعمة بالعطف حتّى لُقِّبت بأم أبيها، والزوجة الصالحة، والأم المربّية الرؤوم لأبناء شكّلوا مدرسة لأحرار العالم، بقيم التضحية والجهاد والشجاعة، والإصلاح ومحاربة الظالم ونصرة المظلوم. كذلك الدور الإنساني مع الفقراء والمساكين بالإحسان والإيثار كعطفها على الأعرابي(4)، إلى رعاية اليتيم، والاهتمام بالأسير، والمسكين لتعطي فهماً خاصاً لعبادة الصوم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)/ (الإنسان: 8، 9). ورسمت السيّدة الزهراء (عليها السلام) الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية لإقامة الصلاة والدعاء: عن الإمام الحسن قال: «رأيتُ أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت يا بني، الجار ثم الدار»(5). وقد تركت السيّدة الزهراء (عليها السلام) العديد من الأدعية المرتبطة بالقضايا الاجتماعية مثل: دعاء لأداء القرض(6) ودعاء للمهمّات(7) ودعاء في الحوائج(8) ودعاء للفرج من الحبس والضيق.(9) وأيضاً الدور السياسي والجهادي ومشاركتها الفاعلة والمؤثّرة في الدعوة والجهاد مع الرسول (صل الله عليه وآله)، وحضورها في القضايا المصيرية كالمباهلة مع النصارى، ودفاعها عن الإمامة. أمّا عن دورها الثقافي، وتأسيس أول مدرسة نسائية في الإسلام، فقد رفدت الأجيال بالمعرفة، وكان بيتها موئلاً للداخلات والخارجات(10) قصدتها نساء المدينة، وجيران بيتها(11) وروى عنها بعض الصحابة. أعطت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الخيّر الوفير في التنمية الاجتماعية المستدامة، بإنجازاتها في نشر الدعوة وتأصيل مفاهيمها، وحفظ استمراريتها لخط الإمامة، عملت على مكافحة الفقر، والجهل، والتخلّف، بنشر الوعي والمعرفة والأخلاق. إنّها اليوم بيننا حاضرة مع حسينيّ العصر: الحشد الشعبي والمقاومة الإسلامية، والفاطميات والزينبيات الصابرات اللواتي شاركن في الدفاع المقدّس والجهاد وصناعة النصر. ...................................... (1) لسان العرب: ج8، ص437. (2) بحار الأنوار: ج1، ص209. (3) تفسير الميزان: ج1، ص31. (4) بحار الأنوار: ج43، ص56-58. (5) علل الشرائع: ج1، ص182. (6) مهج الدعوات: ص142. (دعاء آخر لفاطمة الزهراء( (عليها السلام). (7) مهج الدعوات: ص139-141. (دعاء علمها إياه رسول الله (صل الله عليه وآله)). (8) مهج الدعوات: ص141. (دعاء آخر عن مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)). (9) مهج الدعوات: ص142-143. (دعاء آخر لمولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)). (10) شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد: ج9، ص198. (11) شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد: ج9، ص193.