(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
دخلت الثُلّة الطيبة بالبشر المقرون بالوقار، لأداء واجب عيادة الجارة المبتلى جسدها بالمرض الذي أوهن قواها وأقعدها عن ممارسة واجباتها العائلية والمهنية. أمّ عليّ: سلامات أم كمال. أمّ حسين: عداكِ الشر أيتها الطيبة. أمّ زهراء: متّعكِ الله بالصحّة بهذه الكلمات التي تنبعث من قلوب آمنة بذكر الله تعالى خاطبت صحبة الخير الجارة المريضة. أمّ كمال: جزاكم الله خيراً، أرجو أن لا أكون قد حمّلتكم عناء المجيء وأنتم لديكم من المشاغل الكثير. أمّ جواد: ما هذا الكلام بل قولي: إنَّها فرصة حلوة لنجلس معاً ونطمئن عليك. أمّ كمال (بلهجة المستسلم اليائس): نعم، وقد تكون الأخيرة. أمّ عليّ: أمدَّ الله تعالى في عُمركِ وهنّأكِ العافية، ليس كلّ مرض نهايته الموت (كم من عليل عاش حيناً من الدهر). أمّ كمال: إنَّ الآلام -أجاركم ألله- تشتد حتّى إني أشعر بعدم جدوى مراجعة الطبيب، لم أعد أطيق الألم. أمّ حسين: أين الصبر؟ أين الثقة بالله تعالى ورجاء رحمته؟ أمّ جواد: أين التأسّي والاقتداء بصبر أهل البيت (عليها السلام) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. أمّ كمال: إنّهم أولياء معصومون، وأنا لستُ كذلك. أمّ عليّ: أكيد كلّنا لا نصل إلى صبرهم وإيمانهم لكن الله تعالى جعلهم أسوة وقدوة حسنة نسير على هديهم ونسلك طريقهم؛ فهو طريق الرشاد والنجاة في هذه الدنيا التي تكثر فيها المنزلقات المهلكة. أمّ حسين: ألا تريدي أن تكوني ممّن يحبّهم الله تعالى كما يقول: (..وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)/ (الأنفال:46). أمّ زهراء: نحن جميعاً بحاجة إلى التسلّح بالصبر؛ فهو من خُلق الأنبياء والصالحين وفي ذلك يقول مولانا أمير المؤمنين: «الصَّبْرُ أحْسن خلل الإيمان، وأشرف خلايق الإنسان».(1) أمّ عليّ: إنّ الله (عزّ وجل)إذا ابتلى المؤمن فلابدّ من حكمة في ذلك فهو رحيم كريم لا يحتاج لعذابنا بل يريد لنا سعادة الدنيا والآخرة. أمّ كمال شاكية: وهل في المرض سعادة وفي الآلام رحمة؟ أمّ حسين: السعادة الحقيقية هي تنقية الروح قبل الجسد وتطهير النفس من الشوائب التي تخلّفها الذنوب والشبهات، وبعض من هذه الشوائب لا تزول إلّا بالبلاء ومن ثم الصبر والتسليم لأمره جلَّ وعلا. أمّ زهراء: أحسنتم وفي هذا يقول الإمام الرضا (عليه السلام): «المرضُ للمؤمنِ تطهيرٌ ورحمةٌ..».(2) أمّ كمال: أحقاً ذلك؟! يا إلهي ما أكرمك وأرحمك. أمّ عليّ: بل أكثر من ذلك اسمعي حديثاً عن النبيّ: (صل الله عليه وآله) «إنَّ لأهل البلايا في الدنيا درجات في الآخرة ما تنال بالأعمال، حتّى أنّ الرجل ليتمنّى أنَّ جسده في الدنيا كان يقرض بالمقاريض ممّا يرى من حسن ثواب الله تعالى لأهل البلاء من الموحّدين».(3) أمّ كمال: ولكني أخشى أن تكون هذه المعاناة من غضب الله (لا أزكي نفسي) ولكني أحاول ما استطعت اجتناب ما يغضبه سبحانه. أمّ حسين: البلاء ليس دليلاً على الغضب أو العقاب دائماً بل هو دليل الحب والاجتباء، وهذا ما نقرأه في حديث الإمام أبي جعفر (عليه السلام): إنَّ الله تبارك وتعالى إذا أحبَّ عبداً غتّه بالبلاء غتاً وثجّه بالبلاء ثجاً، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي»(4) أمّ زهراء: إليكن ولي هذا الحديث النبوي الشريف حاكياً عن الله تبارك وتعالى يقول: «إذا وجّهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله وولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً».(5) وهنا بدا على وجه أم كمال الارتياح وتفتّحت أسارير وجهها الشاحب قائلة: أذن أصبح البلاء نعمة. أمّ عليّ: هو في حقيقته كذلك، أقرئي دعاء الإمام السجّاد (عليه السلام) عند المرض، إنّه موجود في الصحيفة السجادية. أمّ كمال: نعم سأقرأه إن شاء الله تعالى. غادرت الثُلّة الطيبة تاركة أم كمال وهي عازمة على الصبر والتسليم راجية الثواب مع ومضات نور أمل وتفاؤل بالشفاء للقيام بواجبها بأحسن ما يكون. .................................... (1) ميزان الحكمة: ج5، ص160. (2) ميزان الحكمة: ج3، ص367. (3) مستدرك الوسائل: ج2، ص46. (4) الكافي: ج2، ص361. (5) مستدرك الوسائل: ج2، ص39.