شَمْسُ بَاخمْرَا وَضُحَاهَا

أريج المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 151

شموس الآل تبقى ساطعة منيرة مهما حاول الظالمون إطفاء أنوارها فتزداد وهجاً على مرّ الأزمان وإن تناثرت تلك الشموس في الأصقاع لتنير ظلمتها الحالكة بنور الإيمان والبصيرة. ومن هذه الشموس شمسٌ رتّل في حياته آيات سورة الشمس واستنطقها آية بمواقف تزلزل الجبال الرواسي من عظم المأساة، بعد أن خرج من مدينة جدّه رسول الله (صل الله عليه وآله) خائفاً يترقّب، يشق طريقه على نهر الفرات حتّى وجد ضحاه على ضفاف نهر سورى وهي تلك الفتاة التي كانت تقسم ببيعة صاحب الغدير فاطمأن قلبه، وكانت سبباً في إشراقة شمسه المضيئة على حي باخمرا(١)، الذي لم تشرق عليه شمس مثله من قبل مهما حاول شمسنا أن يخفي أنواره، ونعت نفسه بـ (الغريب) ليعمل شمسنا سقاء في ذلك الحي، وظل يرسل أشعّته الذهبية من ورع وتقى وعلم وشجاعة إلى أهل باخمرا حتى قدّر الله تعالى للشمس أن تقترن بضحاها بنت كبير الحي (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) لتأتي (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) هي الطفلة (فاطمة) التي كانت سلوى الشمس على فراق الأحبّة وضياء حياته، فكانت (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) بكلّ ما يحمله النهار من نور ونشاط وعطاء حتّى جاء (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا)؛ حيث أفل نور شمس القاسم، بن الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو في عزِّ شبابه وعمّ الظلام على حي باخمرا وافتقد ذلك النور البهي من أنوار العترة الطاهرة، الذي أوصى بأن يلتحق قمره ببقية الأقمار والشموس من أهله في مدينة جدّه الرسول (صل الله عليه وآله)، فخيّم الحزن على حي باخمرا وجميع ما أقلّت (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) خاصة بعد رحيل القمر (فاطمة) إلى مدينة جدّها؛ إذ أخذت تدرج في سكك المدينة لتأخذها ريح العشق العلوي إلى حيث الآه المستقرة في منزل الأرامل واليتامى، تخطو خطواتها وعواصف الهم تضرب رأسها وتهدأ خفقات قلبها المضطربة بقوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، ولاحت تباشير اللقاء على أعتاب منزل الأقمار من آل محمد (صل الله عليه وآله)، كان قمرنا الصغير (فاطمة) تأمل أن ترى ولو شمساً مضيئة تعوّضها عن شمس أبيها القاسم، وإذا تُفاجأ بكمٍّ من الأقمار الثواكل وحولها جمعٌ من الأيتام، فأسقمها الحزن وتوفّيت كمداً لعظم الرزية. والتحق قمر باخمرا الصغير بباقي أقمار بني هاشم التي عانت من ظلم بني العباس وتشريدهم وقتلهم لرجال بني هاشم، وموت الهاشميات كمداً على تلك الشموس العلوية وكسوفها الواحد تلو الآخر؛ لترسم لنا ملامح عاقبة الظالمين لآل محمد في الدنيا قبل الآخرة( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا)/ (الشمس:11-15). وبقي قمر باخمرا وجميع أقمار بني هاشم يرقبون بزوغ شمس آل محمد آخر الزمان لتشرق على المظلومين والمعذّبين في الأرض ليرتل الكون معه آيات سورة الشمس؛ ليبسط العدل على هذه البسيطة ويأخذ بثأر شموس العترة الطاهرة ودموع أقمارها. ............................................ (1) باخمرا نسبة إلى شيخهم المعروف آنذاك، وقيل: لأنَّ المدينة كانت تشتهر بتخمير الطين مع التبن وتُدعى الآن مدينة القاسم تقع في بابل واسمها الآرامي سورى.