رياض الزهراء العدد 140 أروقة جامعية
أروقة جامعية
«جَرَّةُ قَلَم» ربما تسندين روحكِ التي يجتمع فيها تعب الغرقى، والتائهين إلى جدارٍ يابس، ترين الظلمة تُحيط العالم كأنّها العالم، أغمضي عينيكِ ولتهمس نفسكِ لنفسكِ: لا أريد أن أكون مجرّد حفنة من طينٍ مُعتمٍ جاف. أريد أن أضيء، كيف السبيل؟ تفتحين عينيكِ، يطالعكِ الجدار الآخر، تصطدم روحكِ به، يصدر صوتٌ يسمعه كلاكما: لي خمسةٌ أطفئ بهم حرّ الجحيم الحاطمة! تتوهّج روحكِ، يضيء الطريق. «ممرّات» كم مرةً اجتهدنا لمحو أمنيةٍ ما، لكنها تبدو عنيدة جداً فتظهر على هيأة حلم يُؤرّقنا؟ يبدو أنّ ما يأخذ حيّزاً في الوجود لا إمكانية لإعادته إلى العدم؟ التكيّف مع هذه القاعدة يخلق لنا تساؤلاً حول المعصية كوجود.. (كيف تُمحى المعصية؟) هنا تتجلّى ومضة من رحمة الله (سبحانه وتعالى) إذ أعطانا باب التوبة المفتوح، ومنحنا هذا الخيار كنعمة. تُمحى كأنّها لم تكُن! «مُذَكِّرَاتٌ جَامِعِيَّةٌ» الحلقة العشرون جلستُ على مقعدٍ في الزاوية في قاعة المحاضرات الكبرى، لم أستطِع التفكير سوى في كمية المحاضرات المتراكمة، الدروس التي يجب عليّ إتمامها في وقت قصير جداً، إذ لم يتبقَ عن الامتحان سوى أسبوع وأنا ما زلت متأخّرة جداً، بل أنّ ذخيرة الشغف انتهت أيضاً، ويبدو أنّ أمري سينتهي أيضاً، لا أشعر سوى بأفكار التعب وهي تتسلل إلى قلبي. بدأ الطبيب حديثه، وإذا بفكري ينشدّ لقوله: زملائي في المستقبل.. طلابي وطالباتي.. كثيرون هم أولئك الذين يتعلّمون العلم طلباً للمال، أو لمكانةٍ اجتماعيّة معيّنة. هؤلاء لا يأخذون من العلم إلّا بمقدار ما يحقّق لهم هذا الغرض، ولا يضحّون في سبيل العلم إلّا بمقدار ما يؤمّن لهم هذه اللّذّة. وهناك فريق آخر، قلّة من الناس، يتعلّمون العلم لأجل العلم نفسه، لا يرون في مناصب الدنيا ومتاعها شيئًا يستحقّ أن يكون غاية للعلم، بل العلم ذاته هو الشغف، وهو الهدف، وهو غاية الغايات. هذا الفريق هو الذي يكرّس حياته خدمةً للعلم، بل يجعل العلم هو الحياة، ولا يرى له حياةً سواه، هذا الذي لا يرضى من العلم بقليله، وإن كان يستعظم قليله ويراه كثيراً، هذا الذي ينتهي به الأمر إلى أن يكون له من العلم نصيب! هذا ويحدّثنا بعضهم عن قلّة القلّة، عن أوحديّ من الناس، يتعلّم العلم لله (عزّ وجل)، وخدمة لعيال الله (عزّ وجل)، ويعمل بما تعلّمه لله. هذا الفريق كأمّةٍ في رجل، لا نكاد نعرف عنه شيئاً. ليس بوسعنا ـربّماـ إلّا أن نتخيّل نوراً يقذفه الله تعالى في قلب مَن يشاء! كانت مقدمةً لمحاضرة أمراض القلب.. الآن سنبدأ بجانبها العلميّ.. لم أعِ إلّا وقد وضعت يدي على قلبي.. الذي اختلس في أوج المحاضرة أن يناجي الله طالباً أن يكون من قلّة القلّة، الذين يعملون بما يتعلّمون لله (عزّ وجل) حتى يقذف الله نوراً في ذلك القلب! استعدت تركيزي كاملاً.. وأصغيت بكلّ جوارحي إلى محاضرة القلب وتشريحه وطريقة عمله وأمراضه..