عِرَاقِيَّةٌ تَلْتَحِقُ بِرَكْبِ العَقِيْلَةِ؟

نهلة حاكم كاظم/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 390

على مدى التاريخ عند الجهاد ضد أي خطر يهدد الأمّة وأمنها وأمانها, يهبّ رجالها, شبابها وكهولها, للدفاع عن الأرض, كحربة واحدة في نحر العدو, فللكرامة ثمن ألا وهو دماء الشهادة من أبناء الوطن الواحد سواء كانوا رجالاً أو نساء, كلّاً من موقعه, فكان للمرأة دور في الجهاد وتاريخ له أثر, فتلك السواعد التي تفتك بالعدو أعدّتها امرأة من نوع خاص, ومن ذلك النوع أم عليّ زوجة الشهيد أحمد مالك حسن صغير وهو مقاتل في فرقة العباس (عليه السلام) القتالية استُشهد في معركة تحرير الموصل, وقد كان لرياض الزهراء (عليها السلام) شرف اللقاء بها والحديث معها؛ إذ روت لنا قصّة استشهاد زوجها قائلة: بداية تأثّرت لموقف العقيلة في واقعة الطف وجيوش الظلام تحيط بأخيها وأنصاره حينما حضرت لمأتم عزاء نسوي وقلتُ في نفسي: أي قلب تحمل تلك العظيمة وأي عطاء أعطت.. وبقلب صلب الإيمان حين نطقت اللهم تقبل منّا هذا القربان. العطاء الزينبي وأبعاده المستقبلية وفي طريقي للعودة إلى بيتي كنتُ أُحدّث نفسي وماذا عن عطائنا نحن لزينب!, ذلك اللهيب كان يملأ قلبي وبان أثر المصيبة في معالم روحي ووجهي ممّا جذب انتباه أحمد لي قائلاً لي: لستِ اليوم كما عرفتكِ؟ حينها سبقت دموعي كلامي وبعدها، قلت له: أبكتني زينب (عليها السلام) اليوم لموقفين؟ الموقف الأول: لهول مصيبتها! والموقف الثاني: هل نصرناها؟ حرارة المجلس موقف أضمره لي أحمد ثم تابعت الحديث: بعدما أُعلنت فتوى الدفاع الكفائي التي أصدرتها المرجعية العليا تهلل وجه أحمد فرحاً وتناثرت دموع الفرح وصدح صوته بالصلوات. قلتُ له: وأنا.. وأطفالنا..؟ هنا توقّف أحمد ومسك بيدي قائلاً: هل تذكرين المجلس وموقفكِ تجاه زينب ألا تنصرينها.. كما وعدتِ! لا يوجد سلاح إلّا وبصمات أحمد عليه وأضافت: ثم أخذ أحمد مكانه في الانضمام إلى فرقة العباس (عليه السلام) القتالية يجهّز الذخيرة والمؤن للجنود وصيانة المعدات وكنّا لا نراه, فعندما نتصّل به شوقاً لرؤيته يقول: أنا أستحي من أبي الفضل (عليه السلام) أن آخذ إجازة وأترك ساحات القتال، كما قال النبيّ (صل الله عليه وآله): "مَنْ جهَّز غازياً فقد غزا".(1) كما توجّه أحمد إلى عائلتي ليضمّهم إلى الجهاد معه: أبي وإخوتي, ومرّت الأيام وانتصارات الحشد المقدّس كالغيث, وتوقّفت برهة, ثم واصلت حديثها: رسم الحزن ملامحه في مرآة أحمد كلّما عاد من الجبهة وكان يخلو بنفسه مع صلاته وتهجّده لله تعالى, وكنت أسأله عن عدم فرحه في ساحات الجهاد المقدّس, فكان جوابه: لم أُرزق الشهادة؟ وفي أيام إجازته الأخيرة انتبه قبل الفجر مستبشراً وهو يقول: الحمد لله، استجاب الله تعالى دعائي وطلبي, وغادر بعد أن ودّع والديه وأولاده وأوصاني بكلمات مختصرة وهو يقبّل رأسي قائلاً: أم عليّ كنتِ ولا زلتِ عند حسن ظنّي بكِ، أرجو منك أن تكوني كما عاهدتني وعاهدتِ السيّدة زينب (عليها السلام) يوم حدّثتني: ما عطاؤنا لزينب, فكوني لي كزينب والرباب وأم وهب للحسين (عليه السلام), قوية الإرادة لأولادك, للوطن, والدين، والعقيدة. تلك هي كلماته لي، وكان الوداع الأخير، ثم تلقينا نبأ استشهاده. واختتمت أم عليّ قصّتها بهذا الكلام: أحمد كان أنموذجاً للأب والأخ والزوج لي، أكرمني بعطفه ولطفه ورعايته, تعلّمت الإيثار والشجاعة منه, وكان مثالاً للغيرة على وطنه وشعبه وهذا هو الإرث الكبير والعظيم. إنّ موقف السيّدة زينب (عليها السلام) يوم الطف من لحظة استشهاد أخيها (عليه السلام) إلى مجلس يزيد كان من أشد الأسلحة فتكاً بالظالمين والفاسدين ودفاعاً عن الحق, فأفعالها وأقوالها كانت وما تزال نهجاً مشروعاً اتخذه الأحرار ليضيئوا طريق الحرية والكرامة. ................ (1)في ظلال نهج البلاغة: ج4، ص436.