هَجِيْنُ الأخْبَارِ بَيْنَ التَّصْرِيْحِ وَالتَلْمِيْحِ

نوال عطيّة المطيّري/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 376

تُعدُّ ظاهرة الوشاية آفةً اجتماعيةً سيئة للغاية تنخر في المجتمع بغية إحداث التفرقة والنيل من الآخرين والإيقاع بهم, وتتمثّل في التبليغ الكاذب المراد منع إلحاق الضرر بالآخر من قبل الواشي تارة ونقل الأخبار التي لا أساس لها من الصحّة مع العلم بزيفها أو نقل سلوك مرتكب بقصد أو دون قصد, فيتم تناقله بصورةٍ غير لائقة لا ترضي الناس, وتُعدّ من الوسائل المستهجنة لبثّ الفرقة وزرع الفتن, وأسلوب رخيص للترويج والدعاية المغرضة. وثمّة همسات تعود بجذورها لأطراف الحديث للإطلاع على زمن نشوء تلك الظاهرة وانبثاق ذلك السلوك السلبي؛ فإنَّه ينحدر ليتشكّل عند الأطفال حينما يبلغون سنواتهم الأربع، في هذا السن تبدأ ردود الأفعال للكبار تتجذّر لديهم متّخذين قاعدة سلوكية تتراءى لهم في إستراتيجية النمذجة والمحاكاة والتقليد لما يقوله ويفعله الكبار، وبما تحكي تعليماتهم وأوامرهم حتّى يأخذ الأمر منحىً جاداً عند دخول الأطفال المدرسة وتدرّجهم في المراحل الدراسية المتواصلة, فيحاول التلميذ التبليغ بالفعل السيئ الذي قام به زميله في الدراسة في حال انتهاك بعض القواعد المعينة والمُلقاة عليهم, ومن الآثار السلبية الناتجة عن هذا السلوك قيام التلميذ الواشي بقطع سير الدرس وإحداث جوّ يبعث على التوتر والتشويش على خطة نظام الصف وإدارته, ويُعدُّ أيضاً إضاعةً للوقت المخصص للمادة العلمية والتدريبية، وقد يعزو سبب نشوء تلك الصفة المذمومة نتيجة سوء اختيار المعلّم لبعض التلاميذ ليرصد أخبار المتعلّمين في ضمن الصف الواحد بصفة (المراقب) ليرأس المجموعة في غياب المعلّم عن الحصة الدراسية لتعطي تلك المهمّة للواشي بعض الصفات كالتنمّر والغرور على أقرانه وخصوصاً إن لم يتحقق المعلّم من صحّة ما نُقل إليه من قبل المراقب والتدقيق به وحسن التعامل معه بحكمة وموضوعية, ومن سمات التلميذ الواشي أنّه يُلاحظ عليه قلّة استمتاعه باللعب والوقت والاسترخاء وحتّى الأكل، حيث يكون في الغالب على درجةٍ من التركيز والترقّب لاصطياد الأخطاء أو أي حركة أو فلتات لسان بقصد أو غيرها ليقوم بتسجيلها وإحصاء أكبر المؤشّرات التي تبدو له كحصيلة من المعلومات يبتغي من ورائها إرضاء المعلّم والحصول على المديح والمنزلة المقبولة لاعتقاده الخاطئ. ولعلاج تلك الظاهرة ينبغي اتخاذ بعض الخطوات التي تسهم بإطفائها ومنها: 1. ينبغي على المعلّم أن يضع لوحة من التعليمات والقوانين تقابلها بعض النقاط وأساليب تعديل السلوك حال المخالفة بتلك القوانين بموافقة الجميع وشرح تلك النصوص وربطها بالقيم الأخلاقية وتوجيه الأسئلة ومعرفة ردود الأفعال إذا ما وشى أحد التلاميذ بزميله وانبثاق مشاعر الاستياء من هذا الفعل. 2. تشجيع التلاميذ على حلِّ بعض المشاكل واختلاف الآراء التي يتعرّضون لها بأنفسهم لتنمية مهارة حل بعض العقبات البسيطة, وعند تفاقم المشكلة وصعوبة حلّها ينبغي تدخل المعلّم والملاك التعليمي في إيجاد الحلول المناسبة. 3. استخدام الأسلوب القصصي إذا ما اكتُشفت هذه الحالة وتكرارها عند فئة من المتعلّمين وتوضيح سوء عاقبة من يقوم بهذا الأمر المشين وغير المحبب, وما هو مصير من يشي بأصدقائه وإخوانه سوف لا يحظى بمحبّة الآخرين ويعيش وحيداً غير مرغوبٍ فيه. 4. وأخيراً ينبغي تربية الأبناء على الأخلاق الحميدة وتعويد ألسنتهم على القول الحسن والجيد وغرس روح العمل الجماعي بين المتعلّمين في المدرسة ليقوموا بإعداد إحدى النشاطات المدرسية والاجتماعية الخاصة بهم وإنجازها وتبيان عدم استجابة دعاء الواشي وتأخر سبل النجاح والتوفيق في الحياة العلمية والعملية ليهنأ المجتمع بأجيال تنمو على تهذيب النفوس وبناء البلد في ظلِّ أجواء روحانية تنبثق منها السكينة والهدوء والمحبّة للجميع.