تَبَاينُ المُسْتَوى العِلْمِيِّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.. نَجَاحُ العِلاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ أَم فَشَلُها؟
تبحر سفينة الحياة الزوجية في بحر الانسجام والتفاهم بين الطرفين منذ انطلاقها الأول وخلال هذه المسيرة المثمرة والحافلة بالمنجزات والعطاء لابدّ أن يكون هناك تقارب في الأفكار كي ترسو على شاطئ الأمان دون تلكّؤ وخطأ، ولعلّ أبرز ما يُساعد على التقارب الفكري بين الزوجين هو مقدار الثقافة التي يحملها كلٌّ منهما, ولا شكَّ في أنّ الثقافة تتنوّع من شخصٍ إلى آخر حسب المصدر المكتسب منه، لكن تبقى مسألة اختلاف المستوى العلمي بين الزوجين مشكلة عند البعض, كونها تُعدُّ من الركائز الأساسية لتقويم أسرة ناجحة أو العكس, ولأهمية الموضوع أجرت مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام) حواراً ضمَّ آراء عدّة لبيان تأثير هذا الموضوع في بناء حياة زوجية سعيدة. (من أخلاق الإسلام والإنسانية, التجرّد من النظرة الدونيّة) رياض الزهراء (عليها السلام) والحوار الأول حيث تفضل به (أبو محمد 47 عاماً/ متقاعد) بيّن رأيه: البعض ينظر إلى المرأة بمنظارٍ محدود جداً ويرى أنَّها مجرد كائن ضعيف ومحدود الإمكانات, ولا يمكن أن تقدّم شيئاً للمجتمع سوى تربية الأبناء ورعايتهم, وهذا يعتمد على سلوكيات الزوجين والمعاملة الحسنة والمودّة بينهما بحيث لا يكون تأثير للشهادة في حياتهم الزوجية, لكن عن طريق التجارب داخل المجتمع لاحظت أنّ الزوجة المتعلّمة تتحمّل المعايشة مع زوجها الأمّي لوجود الأولاد بينهم, وجعلت من أسرتها أسرة واعية ومتعلّمة وسارت حياتهم الزوجية بشكل طبيعي، أمّا إذا كان الزوج ذا مستوى علمي يكون عكس ذلك بعد مرور مدّة من الزواج, وعلى الرغم من وجود الأولاد بين الزوجين يبدأ الزوج بالملل والتكبّر والغرور والبحث عن زوجةٍ ثانية تليق بمستواه الثقافي, وهذه إحدى الصور التي شاهدتها شخصياً داخل مجتمعنا، ويأتي هذا نتيجة قلّة الوعي وعدم معرفة معنى التفاهم واحترام الأسرة, ولا فائدة للشهادة العلمية التي يمتلكها أحدهما ما لم يكن متفهمّاً وقادراً على بناء عائلة سعيدة تنتج أجيالاً تخدم البلد. (التفاهم والإنسجام هي القيمة الحقيقيّة بين الزوجين) هذا ما أشارت إليه السيّدة (أم مصطفى/ ربّة بيت) حين أجرت معها رياض الزهراء (عليها السلام) هذا الحوار وقالت: إذا كان الزوجان متفاهمين في حياتهما فمن المؤكّد أنَّ المستوى الدراسي والعلمي سوف لن يؤثّر في سير حياتهما الزوجية، فنجد شخصاً يحمل شهادة الدكتوراه يتزوّج بفتاةٍ لا تقرأ أو تكتب (أمية) وذلك لظروف مُعينة لكن عاشوا حياةً طبيعيةً والعكس, وهذا ليس تبريراً أنَّ الشهادة لا تساوي شيئاً, بالعكس المرأة أو الرجل المتعلّم يكون أكثر تفهماً وإدراكاً. (تنوّع الأدوار جعل التكامل يسود الحياة الزوجيّة) وشاركت الأستاذة (أم باقر/ 28عاماً) بقولها: المرأة خُلقت لتكون وعاءً يحمل الطفل وهو جنين, وتعلّمه وهو صغير, وترعاه حين يكبر، ولا شكَّ في أنّ هذا الدور لا يحتاج إلى مشوار دراسي لتتعلّمه ولا إلى شهادة أكاديمية لتبدع فيه، فقد خلقها الله (عزّ وجل) لهذا الدور الأساسي الذي لا يؤديّه مكانها أحد غيرها، أمّا بعض التفاصيل الأخرى فقد طرأت على متغيّرات الحياة العصرية وبات التعلّم من الأساسيات الضرورية للحياة التي لابدّ منها، وهناك من تساعده الظروف على إكمال المشوار الدراسي ونيل أعلى الشهادات والآخر لا يحالفه الحظ في ذلك ولا تساعده الظروف, وعلى الرغم من ذلك فإنَّ الأدوار محفوظة للرجل والمرأة وهذا يكفي أن يسد التفاوت العملي بين الزوجين. (التعليم والثقافة يُزيلان الحواجز ويقربان الأواصر العائليّة..) (أبو زهراء/ 36 عاماً/ دبلوم/ كاسب) تحدَّث عن رأيه الشخصي وقال: ينبغي التوافق بين الزوجين في المستوى العلمي وعلى أقل تقدير يجب أن تكون المرأة متعلّمةً؛ لأني خُضت تجربة ما زلت إلى الآن نادماً عليها وأدفع ثمن هذا الاختيار؛ كون زوجتي لم تدخل المدرسة إطلاقاً, ولم أظن أنّ هذا الأمر سيكون صعباً لهذه الدرجة, فلديّ أربعة من الأبناء في مراحل دراسية مختلفة وليس هناك من يتابعهم في إنجاز واجباتهم غيري, ممّا اضطر في بعض الأحيان إلى مجالستهم تاركاً عملي، وتابع بقوله: ولا يسعفني الوضع المادي لتوفير مدرّس خاص بهم؛ فدخلي محدود. بينما كانت للزوجة أم زهراء مداخلة في هذا النقاش؛ إذ عبّرت: التعليم والثقافة لها دور كبير جداً داخل نطاق الأسرة وبخاصة في تعليم الأبناء؛ فإنَّ أغلب الأوقات يكون الرجل خارج البيت في العمل, أمّا المرأة فهي المسؤولة عن تربية الأولاد, فكيف لا تقرأ ولا تكتب وغير ملمّة بمعلومات ثقافية؟ فهذه بحدّ ذاتها مشكلة كبيرة وأنا أعاني منها على الرغم من أنني أنجز جميع الواجبات المتعلّقة بي تجاه زوجي وأبنائي على أتم وجه, لكن هذا ليس كافياً فأنا أشعر بنقصٍ لعدم قدرتي على مساعدة أبنائي, وكذلك أشعر أنّ نظرة زوجي لي تغيّرت لهذا السبب. (ثقافة حُسن الخُلق لا تُقاس بالتحصيل العلمي) أيضاً أشار (إياد عبد الحسين/40 عاماً/ مدرّس) معبّراً: في الواقع أنَّ النجاح في اختيار شريك الحياة يجب أن يكون مبنياً على ركائز عدّة؛ منها التقارب في المستوى الثقافي, والثقافة ليست بالضرورة أن تقاس بالمستوى العلمي, فكم من متعلّمين لا يحملون أعلى الدرجات العلمية كالدكتوراه والماجستير ولكنهم في الحقيقة يجهلون أموراً كثيرة في الحياة والعكس صحيح, ونرى من هم لا يحملون الشهادات ولكنهم على درجةٍ عالية من الثقافة, ولكن هذه الفئة ليست بالقاعدة بل استثناء, وهذا ما يفسّر نجاح أو فشل العلاقات الزوجية تبعاً للتقارب الثقافي بين الزوجين. واتّفقت بالرأي (أم زين العابدين/25عاماً/ ربّة بيت): الرتب والمستوى العلمي ليسا مقداراً لتحديد مسار الحياة الزوجية ولكن المقدار والمقياس الحقيقي هو أخلاق الزوجين ومدى المحبّة والمودّة بين بعضهم البعض؛ لأنّه سيعكس الصورة الإيجابية في تربية أبنائهم, وعن تجربتي أتحدَّث عن ذلك لأنَّ زوجي مهندس وأنا خريجة ابتدائية لكن هذا لم يؤثّر في حياتنا الزوجية ولم يكن لهذا الفارق ذكر أبداً. التوافق التام بين الزوجين !رأي ذو الاختصاص وتوجَّهت رياض الزهراء (عليها السلام) بسؤالها إلى الباحثة والمدرِّبة في مجال التنمية الإسلامية الأستاذة منتهى محسن: هل التباين في المستوى العلمي بين الشريكين بات خطراً على الحياة الزوجية، برأيكِ ما هي الحلول لتجنّب حدوث مثل هكذا حالات؟ أجابت قائلة: تتمثّل الحياة الزوجية بالرجل والمرأة, ومهم جداً أن يكونا على توافقٍ تام في عدّة مسائل, ومن أهمّها التوافق من الناحية الأكاديمية والعلمية؛ فإن وجد فهو خير وإن لم يوجد فليس هناك خطر كبير مثلما يتصوّره البعض، وهناك أمور أخرى ترفع من الضعف في هذا الجانب إذا كان الرجل لم يملك الشهادة العلمية محتمل أن يمتلك مؤهّلات أخرى تساعده في محو الاختلاف العلمي الحاصل كأن يكون ذا عملٍ أو حرفة ممتازة, أو لديه ثقافة عالية, وغيرها من المؤهّلات التي تساعده على سد ذلك النقص. أمّا إذا كانت المرأة لا توافق الزوج في مستواه العلمي وتكون أقل فيجب عليها أن تتكيَّف مع هذا الزوج ولا تشعر بالنقص, بل تقلل من الفجوات كي لا يمل الزوج ويشعر بهذا الفارق بينهما، وعليها أن تطوّر وترتقي بنفسها وبمهاراتها كي تتولّد لديه ثقة عالية بالنفس. إنّ لكلّ علاقة زوجيّة ناجحة تخطيط مسبق لها من جميع النواحي، واتفاق بين الزوجين على هذه الأمور، أمّا فيما يخصّ الاختلاف الثقافي والتعليمي فله أهميّة كبيرة جداً لتكوين الحياة الجيّدة للزوجين، وهناك حالات زوجيّة ناجحة على الرغم من الاختلاف التعليمي بينهما لكن الدين والمجتمع حثنا على الأخذ من المستوى التعليمي والثقافي المتقارب.