رياض الزهراء العدد 139 الحشد المقدس
التَّغْيِيرُ وَصِنَاعَةُ الشَّخْصِيَّةِ المُقَاوِمَةِ
اختلفت الأساليب والطرائق في صناعة الشخصية الفذّة والمقاومة لصعوبات الحياة ومعوّقاتها, لكن من أهم تلك الأساليب التي قد يغفل البعض عنها لعدّة أسباب هو التغيير. فكرة التغيير على كافّة الأصعدة ضرورة لازمة في بناء ذاتنا, فالتغيير هو تبديل أو زيادة أو إنقاص من شيء, وجعل الشيء بمظهرٍ مختلف عمّا كان عليه. تغيير النفس منطلق سماوي شجّعت عليه كافّة الرسالات وجاءت منادية به ليغيّر الإنسان من نفسه ليصعد مدارج الكمال ويرتقي سلّم التكامل النفسي والفكري والروحي. هي النفس تسعى للتغيير دوماً حتّى لو لم نلاحظ ذلك لكن التغيير طبيعي في كلّ الموجودات, ومن تلك التغييرات حالات السعادة والفرح والحزن والكآبة التي نحصدها جرّاء تغيّرات في أعمالنا وحركاتنا. التغيير نحو الجهة الإيجابية هو المطلوب منّا لتحقيق وجود شخصية فعّالة في مجتمعنا الإنساني وانطلاقة التغيير تبدأ من نفس الإنسان لا من غيره وإن كان للآخر دور لكن الإصرار والتصميم نابع من ذات الشخص وله الدور الأساس في إيجاد التغيير واقعاً لا نظرياً فحسب. التغيير بآثاره ونتائجه يحفّز الإنسان على الحركة أكثر نحو تغيير أكثر فاعلية, فكلّما رأى الإنسان من حركته خيراً وبركةً رغب في تغيير نفسه أكثر نحو المنفعة والمصلحة التي تحقق له المنافع. وربّ العالمين جلّ جلاله قال: (..إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم..)/ (الرعد:11). وهذا يدل على ضرورة انطلاق الإنسان نحو الحركة التكاملية من نفسه. عندما يبدأ كلُّ فردٍ بتغيير ما بذاته من نقص وجعل نفسه محطّ التغيير والتبديل نحو الأفضل فهو سيسهم في تغيير ركنٍ من أركان المجتمع المكوّن من عدّة أفراد وهو منهم. قال الإمام (عليه السلام): «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته»(1) وهذه المسؤولية تبعث في النفس ضرورة تغييرها نحو إقامة المسؤولية على أكمل وجه. فلا أم تستطيع تسلّم منصب الأمومة حتّى يحدث لها التغيير المطلوب والمناسب لتتحمّل تلك المسؤولية, فتُنمِّي مواهبها وخبرتها وتجاربها وتتعلّم وتتثقّف لتكون أمّاً نموذجية, وكذلك الأب فلا يمكنه تسلّم قيادة أمور البيت إلّا بعد أن يغيّر من نفسه ويجعلها أهلاً لتحمل قيادة البيت من تربية ونشر وعي وصبر وغير ذلك. كلّنا نحتاج إلى التغيير وهذه الحاجة نابعة عن حاجتنا لمنافع التغيير، إذ ينصح علماء النفس لمرضى الاكتئاب بأن يسافروا ويغيّروا الأماكن ويبدّلوا ألوان ملابسهم كي ترتاح نفسيتهم. كذلك ينصح علماء التربية طلبة الثانوية عند بدء الامتحانات بأن يغيّروا من نفسياتهم ولا يخافوا ويبعدوا أنفسهم عن مخاوف الامتحان الوهمية ويضعوا ذواتهم مواضع الشجاعة والقوّة ويحدّثوا أنفسهم بأنَّها قوية وتستطيع تخطّي الصعاب لتنال الدرجات العالية في الامتحان. ومهما أردنا توضيح مفهوم التغيير يبقى اللسان عاجزاً, فالعمل أفضل صورة توضّح معناه ومضمونه. ...................................... (1) ميزان الحكمة: ج2، ص1212.