رياض الزهراء العدد 139 منكم وإليكم
ثَمَرَةٌ مِن شَجَرَةِ طُوبَى (أعجوبة الزمان الزهراء)
إنّ من المناسب بين الحين والآخر بيان إشراقة من إشراقات تلك السيرة المباركة لحبيبة المصطفى (صل الله عليه وآله) وسيّدة النساء، وحليفة الورع والزهد التي شرَّف الله تعالى بمولدها نساء الجنة، وهي (عليها السلام) فاقت نساء عصرها في الحسب والنسب، فهي سليلة الفضل، والعلم، والسجايا الخيّرة، وغاية الجمال الخَلقي والخُلقي، ونهاية الكمال المعنوي والإنساني، وقد أثبتت الزهراء (عليها السلام) للعالم الإنساني أجمع أنَّها الإنسان الكامل الذي استطاع أن يحمل طابع الأنوثة فيكون آيةً إلهية كبرى على قدرة الله البالغة وإبداعه العجيب؛ إذ أعطى للسيّدة الزهراء (عليها السلام) أوفى نصيباً من الجلالة والبهاء. وتعرّضت هذه الريحانة النبوية بعد رحيل عزّها رسول الإنسانية (صل الله عليه وآله) إلى اضطهاد وتعسّف من قبل من انتزع الحكم انتزاعاً، بظلم، وهجوم، وإحراق دار، وكسر ضلع، وإسقاط جنين، فخرجت (عليها السلام) إلى مسجد أبيها واسترسلت بخطبةٍ بليغةٍ دافعت عن حقّها الذي اغتُصِب وأوضحت الحقائق, على الرغم من كونها ثكلى بسيّد من وطئ الثرى تلك الخطبة التي إن جئتها من جانب البلاغة وبديع المعاني فهي فوق درجات الوصف بما تشتمل عليه من أنواع المعارف العقائدية والدروس والمواعظ والإنذارات والحقائق, ممّا يجعلنا نغوص في بحر العلوم الذي لا يدرك قعره, وهذه الديباجة التي يسطع منها بريق النور, وهذا مقطع من الخطبة المباركة: قالت (عليها السلام): «..وصلة الأرحام منماة للعدد».(1) قال تعالى: (..وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ..)/ (النساء:1). وقال أمير المؤمنين (عليها السلام): «صلة الأرحام تزّكي الأعمال».(٢) والصلة هنا بمعنى البر، والرحم من يجمع بينك وبينه نسب، نعم ولا يبعد الفرق بين الأرحام القريبة والبعيدة، وتجب صلة الرحم وكذلك يحرّم قطعها, وقد ذهب العديد من الفقهاء إلى أنَّ قطع الرحم ليست معصية فحسب بل هي من الكبائر أيضاً، وقال الصّادق (عليه السلام): «ولا يجدُ ريحَ الجنّة عاقٌّ ولا قاطع رحم».(٣) ثمّ إنَّ تأثير صلة الرحم في طول العمر وزيادة العدد يمكن أن يكون بالأسباب الغيبية ويمكن أن يكون بالأسباب الظاهرية؛ فإنَّ من يصل رحمه يكون مرتاح الوجدان مطمئن الضمير، واطمئنان الضمير وسكون النفس يوجبان طول العمر، لتأثير كلّ من الروح والبدن في الآخر، فضلاً عن أنَّ صلة الرحم توجب الحيلولة دون الكثير من النزاعات التي تتولّد وتتزايد في قطع الرحم واستمراره، ومن الواضح تأثير النزاعات في تحطيم الأعصاب وتدمير الصحّة، وأمّا قولها (عليها السلام) (منماة) توضح أنَّ الأرحام إذا وصِلت بعضها ببعض ازدادت تعاضداً وتعاوناً، وهذه الحالة من التقارب بين الأرحام توجب كثرة النسل؛ إذ توفّر الأرضية الطيّبة للزواج المبارك وتذلل كلّ العقبات التي تحول دونه, كما توجب اطمئنان العوائل والأسر بمستقبل أبنائهم, فيحضّهم ذلك على زيادة النسل إلى غير ذلك من أسباب النمو العددي, وما أحوجنا اليوم إلى مجتمعٍ يقوّي روابط أرحامه بعضها بالآخر, ولكي تسمو نفوسنا ونضع الحجر الأساس لدولة الموعود المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ......................................... (1) الوافي: ج5، ص1063. (2) الكافي: ج2، ص150. (3) الكافي: ج6، ص50.