رياض الزهراء العدد 139 منكم وإليكم
مَا أسْرَعَ لحاقَها بِأبِيْهَا!
هي قبلة في شفاه رسول الله (صل الله عليه وآله) قد رسمها على جبينها حين كانت تمسح عنه تلك الهالات السود التي يرسمها على محيّاه مبغضيه، تمسحها بيديها الصغيرتين، وتُمسّدُ شعرَهُ المتموّج كتموّج الصحاري حين تداعبها أصابعُ النسيم، ناداها يومها بـ (أم أبيها). تتأرجحُ بين يديّ أبيها كنسمة عذبة تحاول رسمَ بسمةٍ على شفاه رسول الله (صل الله عليه وآله) وهو يراودها ببسماته التي كانت كمدّ وجزر حين يطلّ على وجهه نسيم فاطمة (عليها السلام)، كأنّها غيثٌ بعثه الله (عزّ وجل) ليبلسم جراح نبيّ الرحمة، وليؤازره كهارون لموسى. لقد نحتها الله صورةً شبيهةً من أبيها محمد (صل الله عليه وآله)، وأيّ زهراء أنتِ؟! ومن أيّ تركيب خُلقتِ؟! خلق الله (عزّ وجل) من نورها كلّ شيء، ولم يخلق لها كفواً من أيّ شيء إلّا عليّ (عليه السلام)، فقد نظر الله (عزّ وجل) في خلقه فلم يجد لها كفواً سواه، فلولاهم ما غُرِسَ شجر ولانبت بذر، أي حبيبينِ هما؟! وهل الدين إلّا حبّهما وأولادهما؟! «..فاطمة بضعة منِّي، فمَنْ آذاها فقد آذاني..»(1)هكذا أوصى رسول الله (صل الله عليه وآله) فيها وقد سمعوا قوله حتّى رنّت لصدى قولِه أقراطُ نسائهم.. ولكنّهم لم يراعوا ذلك! تحزّبوا عصبةً كإخوةِ يوسف على بابِ دارها، فنودي: يا هذا إنّ في الدار فاطمة، فقال بصوتٍ ساخرٍ شارخٍ أنيابِهِ: وإنْ... يا لجسارتهم وسماجتهم وانعدامِ حيائهم! دفعوا بابها وكانت تحملُ في بطنها ولدها كان قد سمّاهُ جدّه المصطفى بـ (المحسن)، ولكنّهم لم يُحسنوا إليه وإلى أمه..(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)/ (الرحمن:60). عصروها بين الحائط والباب وهي ابنة ثمانيةَ عشر ربيعاً وقد بكتْ سنواتها دماً عليها.. نادت: حبيبتي فضّة اسنديني فقد عصروني وأسقطوا جنيني.. ذوت زهرتك يا عليّ فما أسرع لحاقها بأبيها! دفن زهرته تحت الثرى وأوصى التراب أن يترفّق بخدّها المصفوع, فما زال محمّراً من صفعةِ القوم.. ترفّق أيّها التراب بنزيلك، ففاطمة ليس كمثلها فاطمة، فرفقاً بضلعها المكسور وقلبها المقهور.. ......................................... (1) الأمالي: ص165.