مَا كانَ للهِ يَنمُو

أجرت الحوار: آمال الفتلاوي
عدد المشاهدات : 3163

قلّة من النساء اللواتي قدّمنَ خدمة لمجتمعهنّ وتفاعلنَ مع الناس بشكل تناسينَ معه أنفسهنّ والغينَ من حياتهنّ الأنانية وحبّ الذات ونذرنَ أنفسهنّ لتلك الخدمة الإنسانية، ولم يتحججنَ بانشغالهنّ بالبيت والأزواج والأولاد، وحقيقة أن هذا الفعل النبيل يستحق أن يُخلّد في سجل الأعمال الخالدة التي توصل الإنسان إلى مرضاة ربّه، لقاؤنا في هذا العدد مع الأخت (فتوح حسين عبد) وهي امرأة أخذت على عاتقها الاهتمام بالفقراء وتفقّدهم وتوزيع المعونات عليهم، سألناها عن بداية نشاطها، فأجابت:كان الدافع من وراء مساعدة المحتاجين حادثة شخصية، إذ أُصيبت ابنتي في إحدى السنين بمرض (التهاب العصب المحيط)، وكانت حالتها سيئة جداً، وأُدخلت في مستشفى مدينة الطب في بغداد، وأنا كنت أرافقها، وكانت ابنتي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وكانت تختنق بالماء إذا أعطيناه لها، فلم أتمالك نفسي، ففتحت النافذة وصرخت بصوت عالٍ: يا زهراء أدركيني، ولم أعلم كم مضى من الوقت وأنا أصرخ، وبينما أنا كذلك جاءت الممرضة تهرول نحوي قائلة إن ابنتك تريدكِ، فذهبت إليها فرأيتها وقد تحسّنت حالتها، فقالت لي إني جائعة، والحمد لله فقد شفيت ابنتي بإذن الله(عز وجل) وبكرامة من السيدة الزهراء (عليها السلام) ومنذ ذلك اليوم ومن كثرة ما رأيت من الحالات المرضية بدأت بمساعدة المرضى المحتاجين وتفقدهم، وكانت البداية مع الجيران والأقارب، وبالتدريج بدأ الناس بالمساعدة كلّ على قدر إمكانياته، فالذي لا يستطيع التبرّع بالمال يتبرّع بالملابس أو الأثاث. هل هناك قواعد تستندون إليها من ناحية استحقاق الفقير للمساعدات؟ بالتأكيد فأنا لديّ إذن من مكاتب معتمدي المرجعية، وهذه أمانة في عنقي، فالأموال التي تأتيني يجب أن أضعها في موضعها؛ لأني مسؤولة أمام الله(عز وجل) عنها، فحينما يأتيني شخص فقير فإنني أذهب إلى بيته لمعرفة وضعه المادي والاجتماعي، وعن طريق الأحاديث التي تدور بيننا أسأله عن صلاته، وهل هي صحيحة ولكن بشكل لا يُسبب له الإحراج، فمثلاً أنّ إحدى النساء التي دخلت إلى بيتهم سألتها: ماذا تقول في الصلاة؟ فتبيّن أن هناك خطأً في صلاتها، طبعاً أنا لا أقول لها أنّ هناك خطأً، ولكن قلت لها هل تستمعين إلى الصلاة بصورة مباشرة من العتبة الحسينية عن طريق الراديو، فأجابتني: بأنها لا تملك راديو فاشتريت لها راديو، وقد سمعت إحدى المحسنات بهذا المقترح، فاشترت أعداداً من الراديوات وقمنا بتوزيعها، فأصبح عملنا ذا فائدتين مادية وتثقيفية. هل هناك جهة رسمية داعمة لعملكم؟ نحن وهبنا أنفسنا وعملنا لله (سبحانه وتعالى)، لأننا في هذه الدنيا لا نملك غير رضاه، فينبغي علينا أن ننتبه لهذا الأمر ونراجع أنفسنا ونقوّي إيماننا بالله(عز وجل) فهو مَن يسندنا، ولذلك فنحن لا تدعمنا أيّ جهة سواء أكانت رسمية أو غير رسمية، وإنما نعتمد على جهودنا الفردية والأفراد الذين يريدون المساعدة بالتبرّع للمحتاجين، وأودّ أن أقول كلمة وهي أننا نتحرّز من دعم أيّ جهة حتى لا نكون تابعين لها وخاصة أن توجهات بعض الجهات غير معروفة وكلّها غطاء لجهات أُخر، إضافة إلى أنها ستستخدم هذا النشاط كدعاية لمصالحها ومآربها الخاصة، ويذهب العمل الذي نعمل هباءً؛ لأن النّيات ستتغير. كيف يتمّ تقييمكم للحالات , ومن له الأولوية في المساعدة؟ كما قلت لكم سابقاً أذهب إلى البيت لرؤيتهم على الطبيعة وملاحظة احتياجاتهم ووضعهم بشكل عام، فمثلاً في إحدى المرات ذهبت إلى بيت في منطقة خان النص، وهي منطقة تقع بين النجف وكربلاء وكان البيت وحيداً في منطقة خالية، فدخلنا البيت ووجدت امرأة كسيحة ولها ابن معاق يعاني من رخاوة في العضلات، ولا يوجد معيل لهما. ولا توجد في بيتهما أيّ قطعة من الاحتياجات العادية (ولا أقول الأثاث) ووضعهم مُزرٍ إلى درجة كبيرة، فقررت مع نفسي أن أسعى إلى تأجير بيتٍ لهما في كربلاء، لكي يكونا قريبين منّا لمساعدتهما بشكل أكبر، وقامت إحدى المحسنات بتأجير دار سكنية، واستطعنا أن نتعاون في جلب الحاجات البيتية والمستلزمات التي يحتاجاها كمعاقين وعرضناهما على الأطباء، ولكن مع الأسف قال الطبيب إنّ علاجهما صعب؛ لأنهما في حالة متأخرة، فمثل هذه الحالة ألا تستحق المساعدة؟ هذا مثال واحد ولدينا العديد من العوائل المحتاجة، بالمقابل هناك بعض الحالات التي تردنا تستغل مرض أحد أفراد عوائلها للسفر والترفيه في أحد البلدان المجاورة فهل هؤلاء يستحقون؟!، بالتأكيد تأتينا بعض حالات الاحتيال لكننا نستطيع بعون الله كشفها بعد متابعة وضعهم والاستفسار عنهم، فتنكشف الحقائق، وبذلك يتمّ استبعادهم. هل هناك نشاطات تثقيفية تقومون بها؟ نعم فبعض أهالي المناطق التي زرتها لا يعرفون من أمور دينهم شيئاً؛ لأنهم أناس بسطاء إلى أبعد الحدود، فاتفقت وبالتعاون مع مركز الإرشاد الأسري مع إحدى الأخوات أن تعطيهم محاضرات، إضافة إلى توزيع الراديوات كما أسلفت، وكذلك توزيع العباءات على البنات المكلفات حديثاً ممن لا يمتلكنَ ثمنها، وكانت لدينا فكرة توزيع منشورات تثقيفية، ولكن مع الأسف أكثر الناس الفقراء هم بسطاء في ثقافتهم، فلا يهتمون بتلك المنشورات ويتلفون الورق؛ لذا فقد استعضنا عنها بالمحاضرات. كلمة أخيرة: أتقدّم لمجلتكم بالشكر الجزيل على هذه الالتفاتة الطيبة، وأطلب من المرأة أن تهتم بتثقيف نفسها دينياً، وتهتم بسترها، وتلتزم بما أوصت به السيدة الزهراء (عليها السلام) النساء، وأن تكون قدوتها في كلّ تصرفاتها.