رياض الزهراء العدد 139 منكم وإليكم
عُمْرُكَ لا يُقَدَّرُ بثَمَنٍ
تُحيط النعم الإلهية الغفيرة بالإنسان، بنحوٍ يعجز عن تعدادها، ناهيك عن إدراك آثارها على حياته والنزر اليسير منها ما يتصوّر الإنسان أنَّه قادر على تثمينه ومقابلته بمقدارٍ من المال، ويقتصر هذا الأمر على النعم المادية فحسب، من قبيل المنزل، وأدوات الحياة المرفّهة الأخرى، أمّا النعم غير المادية كالصحّة والإيمان فهي ممّا لا يمكن تقديره بثمنٍ مادي، ومن هذه النعم الجسيمة نعمة (الحياة) فما دام الإنسان يتنفس الهواء على هذه البسيطة فهو يرتع في نعمةٍ عظيمةٍ، تتجسّد هذه النعمة في تعدد الفرص وتنوّعها بين يديه، التي من خلالها يتكامل ويرتقي مدارج الكمال، ويُعمّر داره في الآخرة بشتّى صنوف القصور والبساتين. فما دام حياً فبإمكانه الاستزادة من العبادة، ومن تهذيب النفس، وتعلّم العلم النافع، ومساعدة الإخوان، فكأنّما أمام الإنسان محجر واسع مملوء بالطوب الملوّن، وكلُّ لون يمثّل نوعاً من هذه الفرص المتنوّعة، ومتاح له أن يأخذ بقدر ما يريد، وباللون الذي يحب، ليبني نفسه، ويعمّرها، من دون عائق يعترضه، إلّا أن يباغته الموت! ليتوقّف حينها عن التزوّد بما شاء من الطوب، ويمضي بقية حياته (الأخروية) في ما بناه وشيّده في مدّة عمره من حياته الدنيوية. وهنا قد نشتكي من قصر أعمارنا، أو أعمار بعضنا قياساً بأعمار الآخرين، إلّا أنّه من كرم الله (عزّ وجل) وفضله أنّه تعالى منح هؤلاء -وغيرهم- فرصاً للتغلّب على ذلك، وذلك بالعناية بجانب نوع العمل (النية) فمَنْ صلحت نيّته بإخلاصه العمل لله (عزّ وجل) كان له بكلّ عملٍ يسير أجر جزيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (..لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا..)(1): «ليس يعني أكثركم عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنّما الإصابة خشية الله والنيّة الصادقة والخشية».(2) هذا إن كان تقديرنا للعمر أنّه قصير تقديراً صائباً من جهة، ومن جهة أخرى فإنّه لا أحد يعلم متى سيُغلق الباب من أمامه. ......................................... (1) (الملك:2). (2) ميزان الحكمة: ج3، ص2127.