(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)
كانت هنالك جارة ظريفة خفيفة الظلّ لطالما كانت تستقطب أنظار الثُلّة الطيبة بآرائها وملاحظاتها التي تطرحها بلا قيود, تسرد ما تراه جملةً وتفصيلاً، لم تنفك الجماعة الطيّبة من تحذيرها وتنبيهها أنَّ ذلك قد يوقعها أحياناً في شراك الغِيبة وتتبّع عيوب الآخرين والتأكيد على أنّها من الكبائر، لكن ما يشفع لها أنّها طيّبة القلب، تحب المساعدة, مبادرة لمن يحتاجها في عمل الخير كما أنَّها تصغي للنصح، ولديها النيّة والعزم على ترك المحرّمات، جاءت باكيةً، شاكيةً من ظلم زوجها, سيل متدفّق من كلمات نارية، يكاد لهيبها يصل لمن يسمعها، بهذه الحالة وقفت تلك الجارة (أم زيد) أمام أم عليّ وأم حسين اللتين تنتظران بقية الثُلّة الطيّبة بهدوء ولمسة حانية. استقبلتها أمّ حسين قائلة: مهلاً..استعيذي بالله من الشيطان، لا تجعلي له عليك سلطاناً، لا يجرّكِ للوقوع في شراكه حيثُ غضب الله. أمّ زيد - وهي تتناول قدحاً من الماء ناولتها إياه أم عليّ- قائلة: أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، أستغفرك ربّي وأتوب إليك، قالتها وهي تمسح بقايا دموعها،ثم أردفت: ماذا أفعل هل عليّ أن اكتم ألمي وأتجرّع مرارته حتّى أموت كمداً؟ أمّ حسين: سلمتِ من كلّ شر، إنَّ الله تعالى قد أعطى للعلاقة الزوجية هالةً من القدسية ونمطاً معيناً من الخصوصية تكون لكِ مانعاً من التحدّث عنه بهذه الطريقة . أمّ زيد: ماذا فعلتُ غير بث الشكوى! أمّ عليّ: أولاً إنّه زوجكِ، بينكِ وبينه ميثاق غليظ كما وصفه الله تعالى، كما حدد المقياس الثابت للمرأة المؤمنة الصالحة، بقوله جلّ وعلا: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ)/ (النساء:34)، ومن ضمن حفظ الغيب حفظ أسراره وصفاته التي لا يرغب أن يعرفها غيره (أي الزوج). أمّ حسين: ثم إنّه من المؤمنين، وكما تعلمين حبيبتي الغالية أنَّ ذكر المؤمن بما يسوؤه بغير علمه من الغِيبة التي هي من الكبائر. أمّ جواد: أختنا الغالية يجب أن تضعي نصب عينيكِ أنّك السكن للأسرة ونبع المودّة والرحمة، أنتِ من يسدل ستار الأمان والطمأنينة كما أرادكِ الله (عزّ وجل) وبه فضّلكِ وكرمكِ, فهل من اللائق التنازل عن هذا التكريم الإلهي؟. أمّ زيد: بعد كلّ ما عانيت يقع كلّ اللوم عليّ، هل هذا من الإنصاف؟ أمّ حسين: حبيبتي يعلم الله إنّنا لا نريد لكِ إلّا خيراً فالدِّين النصيحة. أمّ زيد: وماذا أفعل في هذه الحالة؟ أمّ حسين: أول ما عليكِ القيام به أن تتبيّني من أي معلومة تصلكِ وتجعلي الاحتمالات الإيجابية قبل السلبية من باب حسن الظن، ثم تبحثين عن المبررات له, عملاً بأحاديث العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامٍ له: «..ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً».(1) أمّ عليّ: وإذا ما حصل بينكما نقاش حاولي أن تكوني هادئةً إلى أقصى حدٍّ ممكن، اسمعي لِما يقول وتجنّبي الصراخ وضعي الشكَّ والريبة جانباً. أمّ زيد: وإن لم أصدِّق، ولم اقتنع. أمّ حسين: في هذه الحالة دعي المجادلة، واستعيني بأحد الأقارب يكون ذا حكمة ودراية وتقوى من الله وعَلِمَ بأحكام الشرع المقدّس لعلّه جلّ وعلا يجعل صلاح ذات بينكما على يديه. أمّ جواد: هذا ما يرضي الله (عزّ وجل)، وهو عين العقل, أمّا إنّك تذكري مساوئ زوجكِ أمام هذا وذاك وتفشي أسرار بيتكِ فهذا لا يليق بامرأة مؤمنة محبّة لأسرتها. أمّ زيد: -وقد بدت عليها علامات الرضا والاقتناع- ماذا عليّ أن أفعل الآن؟ أمّ عليّ: قومي متوكلّة على الله وسمّي باسمه تعالى، مارسي واجباتك الاعتيادية هيّئي ما يطيب له خاطره، ولا تبدئي بالعتاب، ولعلّ قول الشاعر: (خُذي العَفوَ مِنّي تَستَديمي مَوَدَّتي..) يكون بداية حسنة، أدام الله (عزّ وجل) المودّة والرحمة بينكما. أمّ زيد: جزاكم الله خيراً، إن شاء الله أفعل. ................................... (1) الكافي: ج2، ص362.