عُشُّ آلِ مُحَمَّد
إنّ التاريخ الإسلامي مليءٌ بل حافلٌ بالشخصيات وتلك الأسماء التي يصدح بها الماضي والبعض منهم إلى يومنا، ألا وهو آل بيت المصطفى (عليهم السلام), فبهم ضجّ الكون منذ بزوغ شمس محمد (صل الله عليه وآله)، وإلى يوم يظهر القائم وبهم يهدي الله البشرية إلى الحقِّ والخير وهم القدوة والمثل الأعلى لنا، ومن هنا نُسلط الضوء على شخصيةٍ مهمةٍ تركت أثراً في وجودنا ولا سيّما الشخصيات النسوية ألا وهي كريمة أهل البيت فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فهذه سطور تشرّفت بزهرةٍ من أغصان شجرة الإمامة، وذكر بعض الجوانب المنيرة من حياة سيدة جليلة من البيت العلوي الطاهر، الذين تبوّأوا موقع الصدارة بين الناس من دون فرق بين رجالهم ونسائهم، فكان رجالهم خير الرجال، ونساؤهم خير النساء، على أي حالٍ فإنَّ في تسميتها بفاطمة المعصومة وكريمة أهل البيت (عليهم السلام) دلالة على المقام الرفيع الذي بلغته سيّدة آل محمد, وإنَّها صادرة عن المعصومين. عاشت السيّدة المعصومة (عليها السلام) في كنف أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) ورعايته مدّةً من الزمن, وتلقَّت التربية والتعليم اللائقين بمقامها على يد أخٍ شقيق لم يكن في علمه ومقامه كسائر الناس، فقد كانت لها بأخيها الإمام الرضا (عليه السلام) صلة خاصة قلّ نظيرها, وإنَّ من أهم أسباب بلوغها هذا المقام الشامخ علمها ومعرفتها بمقام الإمامة والإمام، فقد كان إمام زمانها فهو الإمام المعصوم وهو المربّي والمعلّم والكفيل. والمصادر وإن لم تسعفنا بذكر شيءٍ ممّا تلقّته الأخت من أخيها، وبماذا حدَّثها، وكيفية حديثه إليها، إلّا أنَّ لدينا ما يكفي للكشف عن بلوغها مرتبة عالية من العلم والمعرفة والمقام السامي، ومنه قول معلّمها ومربِّيها الإمام الرضا (عليه السلام), إذ رُوي عنه أنَّه قال: «مَنْ زارَ المعصومة بقمٍّ كمن زارني»(1)، ولا يغيب عن بالنا أنَّ القائل معصومٌ لا ينطق عن الهوى، وأنَّ وراء هذه الجملة على قصرها ما يدلّ على المقام الرفيع في العلم وغيره، وممّا يؤيّد ذلك ما نقله العلّامة الشيخ عليّ أكبر مهدي پور حكايةً عن أحد الفضلاء عن المرحوم السيد أحمد المستنبط عن كتاب كشف اللئالي لابن العرندس الحليّ، وحاصلها أنَّ جمعاً من الشيعة قصدوا بيت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) للتشرّف بلقائه والسلام عليه، فأُخبروا أنّ الإمام (عليه السلام) خرج في سفرٍ وكانت لديهم عدّة مسائل فكتبوها، وأعطوها للسيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) ثم انصرفوا. وفي اليوم التالي -وكانوا قد عزموا على الرحيل إلى وطنهم- مرّوا ببيت الإمام (عليه السلام)، ورأوا أنَّ الإمام (عليه السلام) لم يعد من سفره بعد، ونظراً إلى أنَّه لابدّ لهم أن يسافروا طلبوا مسائلهم على أن يقدّموها للإمام (عليه السلام) في سفرٍ آخر لهم للمدينة، فسلّمت السيّدة فاطمة (عليها السلام) المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولما رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم. وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظم (عليه السلام) وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم فطلب إليهم أن يروه تلك المسائل، فلمَّا نظر في المسائل وأجوبتها، قال ثلاثاً: فداها أبوها.(2) إنّ لقبها بالمعصومة، فليس المراد بالعصمة هي تلك العصمة الخاصة اللازمة والأفراد من أهل البيت (عليهم السلام) كأبي الفضل العباس، والسيّدة زينب بنت أمير المؤمنين، والسيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، وإنمَّا المراد أنَّهم بلغوا مرتبةً عاليةً من الكمال لم ينلها سائر الناس. فهذه دعوة عامة لنساء هذا الجيل بالاقتداء بتلك السيّدة الجليلة والتحلِّي بأخلاقها. .............................. (1) فاطمة المعصومة: ص80. (2) فاطمة المعصومة: ص76، 77.