الكَأسُ المُصَبَّرَةُ
هو رجل ثائر، امتطى الصعاب منذ صباه، لصليل حسامه إذا امتشقه في ميادين النزال رهبة في قلوب أعدائه، له من العلياء والهيبة أعلاها؛ فهو من أقحاح العرب وفحولها ومن شخصيات عصره البارزة، عُرِفَ بالفطنة والذكاء منذ الصغر وشهد له الإمام عليّ (عليه السلام) بالكياسة(1)، حبسه الظالمون ليمنعوه من نصرة العترة، إنّه غلام ثقيف المختار الثقفي الذي تنبّأ له ميثم التمّار في سجن ابن زياد: إنّكَ تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الجبار (عبيد الله بن زياد)(2)، فتشوّق لهذه المهمّة, ولكن لم تكن الأرضية مهيأة له في ظرف قل الناصر, وتنكيل الأمويون بالشيعة وزجّهم في السجون بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) فضلاً عن ظهور الحزب الزبيريّ على الساحة ممّا زاد الأمر تعقيداً على أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، حتّى لاحت بشائر القيام ورفع راية (يا لثارات الحسين) من توفّر الأنصار من الشيعة ووجهائها خاصّة بعد شهادة التوابين والتحاق الباقين منهم معه, فضلاً عن اعتماده على القواعد الشعبية من الموالين الذين سئموا من اضطهاد الأمويين لهم, وكذلك الحزب الزبيريّ الذي لم يفرق كثيراً عن الأمويين في الفساد والظلم والتجبّر خاصة بعد الغضب الشعبي على عاملهم في الكوفة بعد مسألة الخراج(3) وإشراكهم قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) في الحكم ممّا ألّب الناس ضدّهم(4)، ومن أهم أسباب نجاح قيام المختار هو انضمام إبراهيم بن الأشتر كبير النخعيين وزعيمهم(5), فكان هو الكأس المصبّرة على قتلة العترة تماماً كما وصفه الإمام الحسين (عليه السلام): «..وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبّرة ولا يدع فيهم أحداً إلّا قتله قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم..».(6) إنّه فعلاً المختار لهذه المهمّة فهو المنتقم لشهداء كربلاء, حيث ادخل السرور على قلب إمام زمانه وقلوب العلويين بعد عاشوراء وكان يقول: (والله لو قتلت به -أي الحسين- ثلثي قريش ما وفوا بأنملةٍ من أنامله)(7)، ولهذا فقد شنّع عليه أعداؤه من الأمويين والزبيريين كثيراً والصقوا به أبشع التهم فاتهموه بالكذب وادّعاء النبوة والكهانة وغيرها؛ ليسقطوا ثورته ويقضوا عليها بأحاديث موضوعة عن الأئمة (عليهم السلام) تذمّه, ولكن يبقى تاريخنا الروائي حافلاً بالعديد من الروايات المادحة له التي ورد في بعضها ترحّم الأئمة عليه(8) أو المنع عن شتمه وسبّه؛ فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا تسبّوا المختار فإنّه قَتَلَ قتلتنا وطلب بثأرنا..»(9)، وبتأملٍ بسيط فيما تقدّم نستطيع القول: بأننا نستطيع الآن أن نكون المختار وأن نثور ثورته وأن نسهم في قتل قتلة الحسين (عليه السلام) برفضنا لمبادئ أعداء الإمام الحسين (عليه السلام) وأتباعهم ومقاومة فكرهم الأموي ومجابهة شبهات إعلامهم المضلل، وكذلك بتطبيق مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام) وتثبيتها في المجتمع والثبات عليها على الرغم من التحدّيات الكبيرة التي نواجهها من التيارات المضادّة, علّنا بذلك ندخل السرور على قلب إمام زماننا ونمهّد الأرضية لذلك اليوم الذي نرفع معه راية (يا لثارات الحسين). .......................................... (1) عن الأصبغ بن نباتة قال: «رأيتُ المختار على فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يمسح رأسه ويقول: يا كيس يا كيس»، راجع معجم الرجال للخوئي: ج18، ص102. (2) سفينة البحار: ج1، ص343. (3) ابن الاثير: / 94 /4 (4) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية: ج2، ص59 (5) انظر التوابون، ص175، 176. (6) مستدرك سفينة البحار: ج3، ص246. (7) الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية: ص122. (8) راجع رجال الكشي: ص127. (9) بحار الأنوار: ج45، ص343.