مَا فَائِدَةُ الإمَامِ الغَائِبِ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟
لعلّ السبب في إثارة مثل هذه التساؤلات هو تفسير الغيبة بعدم الوجود، وهذا التفسير خاطئ بلا شك؛ وذلك لأنَّ الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليس بغائبٍ عنّا بشخصه المبارك، بل هو موجود بيننا، بل قد نراه، إلّا أنّنا لا نميِّزه عمّن سواه، أي أنَّه غائبٌ عنّا غياب عنوان ليس إلّا، رُوي عن محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه): "واللهِ، إنّ صاحب هذا الأمر لَيحضر الموسمَ (موسم الحجّ) كلّ سنة، يرى الناس ويعرفهم، ويَرَونه ولا يعرفونه"(1)، ففي هذه الرواية دلالة واضحة على ارتباط الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بشيعته وحضوره بينهم في مواسمهم، وتخليصه لمن يقع منهم في محنة، وإعانته لمن يكن منهم في ضيقٍ أو شدّة. ذلك أنَّ خفاء الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وعدم معرفة الناس له فيه الحرية الأكبر في أداء مهامه وإنجاز مسؤولياته مما لو كان معروفاً عند الآخرين. فهذا القرآن الكريم يحدّثنا عن قصّة النبيّ يوسف (عليه السلام) وكيف مكّنه خفاء عنوانه من أداء مهامه، فما أن نال المكانة الرفيعة عند عزيز مصر ــ الذي كان مشركاًــ حتى سأله أن يوليه قائلاً: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم"(2)، وبذلك تمكّن من تحقيق العدل الاقتصادي بين الناس والقضاء على الطبقية ومساعدة الفقراء والمساكين. وقد استفاد الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الآخر من إيجابيات الغيبة المباركة؛ حيث منحته الأمن والطمأنينة من ملاحقة الطغاة، ومكّنته من القيام بأعماله الإصلاحية على أكمل وجه، ومن المناسب أن نُشير إلى أبرز مهامه في زمن الغيبة على نحو الإيجاز: أولاً: حفظ الدِّين من التزوير والتلاعب والتحريف، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)/ (الحجر:9) والمقصود بالذكر هنا هو الدِّين السماويّ المحفوظ عن طريق القرآن الكريم، وقد تعهّد الله تعالى بحفظه ولكن ليس بالإعجاز وإنّما بتسبيب الأسباب, ومن أهم تلك الأسباب ــ بلا شك ــ الإمام المعصوم، رُوي عنه (صل الله عليه وآله): "لا يزالُ الدِّين قائماً حتّى تقومُ الساعةُ ويكون عليكم اثنا عشر خليفةً كلّهم من قريش"(3)، أمّا كيف يقوم بذلك فعن طريق تسديد العلماء والفقهاء الذين نصَّبهم بالنيابة العامة عنه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فهو (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يتدخّل بالمقدار الممكن لتسديد العمل الاجتهادي. ثانياً: المحافظة على الكيان الإسلامي، كما ورد في رسالته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للشيخ المفيد، حيث يقول: "..فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنَّهم لا يعلمون أنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء(4) أو اصطلمكم الأعداء(5)".(6) ثالثاً: الإمام مصدر الفيض الإلهي، فالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإن كان غائباً إلّا أنَّه هو مصدر الفيض الإلهي للمخلوقات جميعاً. فقد رُوي عن الإمام الرضا (عليه السلام): "..وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة..".(7) رابعاً: الإمام يدعو لشيعته، ومن عظيم بركاته أنَّه يدعو لمنتظريه ومحبّيه ويستغفر لهم، فقد جاء في رسالته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للشيخ المفيد: "لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب"(8)، وهذه نعمة عظيمة لاسيّما أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مستجاب الدعوة. خامساً: الإمام أمان لأهل الأرض، فهو (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "لو أنَّ الإمام رُفِع من الأرض ساعة لساخت بأهلها وماجت كما يموج البحر بأهله"(9). فهو (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بذلك يؤدّي مهمةً عظيمةً للبشرية جمعاء بنفس وجوده المبارك بقطع النظر عن ظهوره أو غيابه. ..................................... (1)الوافي: ج2، ص413. (2)الكافي: ج5، ص70. (3)الخصال: ص473. (4)اللأواء: الشدة وضيق المعيشة. (5)اصطلمه: استأصله. (6)الاحتجاج: ج2، ص598. (7)الاحتجاج: ج2، ص325. (8)الاحتجاج: ج2، ص325. (9)معجم أحاديث المهدي: ج3، ص345.