رياض الزهراء العدد 138 أنوار قرآنية
تَوْجِيْهُ العَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ
خلق الله (عزّ وجل) هذا الكون قائماً على نظام الزوجين، فنظام الزوجين موجود في كلّ شيءٍ وهذه حقيقة لا مراء فيها، وقد أخبر عنها القرآن الكريم قبل أن يتوصّل لها العلم البشريّ الحديث، وأشار إليها في قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)/ (الذاريات:49) لحكمةٍ الله أعلم بها، مثلما سنَّ الله تعالى الزواج في الإسلام وتكفّل القرآن الكريم بتنظيم هذه العلاقة المباركة منذ بدايتها كما سيأتي: -حُسن الاختيار إنّ عملية اختيار الزوجة الصالحة هي الأساس واللبنة الأولى التي تُبنى عليها الأسرة السليمة، ويركّز القرآن الكريم على السمات التي يجب أن تتوافر في المرأة، كالإيمان والعفة كما في قوله تعالى: (..وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ..)/ (البقرة:221)، أي لا يجعل الشاب كلّ همّه شكل الفتاة ويتغاضى عن الأهم، فالمُلاحظ أنَّ بعض شبابنا قد ابتعدوا عن هذه القيم في الآونة الأخيرة، التي سعى الإسلام إلى تثبيتها في المجتمع الإسلامي، فنرى البعض يلهث وراء الأشكال الحسنة والمبالغة في ذلك، ممّا حدا ببعض الفتيات إلى التسابق المحموم خلف صيحات الموضة وإن كانت تخالف التعاليم الإسلامية، فالفتاة شابة في مقتبل العمر وعندها غريزة لأن تكون زوجة وأمّ، فتسعى للفوز بزوج مهما كلّف الأمر، وقد يؤدي بها ذلك إلى السقوط في بعض المحاذير، كالتبرُّج وتقليد الزّي الغربي تقليداً أعمى، وهذا ممّا لا يجوز، ونحن هنا لا نطلب من الشاب أن يتخلّى عن حقِّه في اختيار زوجةٍ جميلةٍ بل على العكس، ولكن التوسُّط في كلّ شيءٍ هو الصواب. وعلى أهل الفتاة أن لا يُعسّروا الأمر بل يسعون إلى التسهيل ما استطاعوا إذا ظفروا بصهرٍ مؤمن، فلا يُغالوا في مهور الفتيات، والتركيز على صلاح الشاب وتقواه، وعدم التزمّت لكيلا يسود الفساد والظلم، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)/ (النور:32). -حُسن المعاشرة إنّ الزواج في الإسلام رباطٌ مقدّس وهو عهد وميثاق بين الرجل والمرأة يلتزم كلّ منهما بموجبه، فكلّ منهما له حقوق وعليه واجبات، وتُعدُّ العلاقة الزوجية علاقة (سكن) تستريح فيها النفوس وتتصل بها المودّة والرحمة، قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً..)/ (الروم:21)، في الآية الكريمة تنبيه للرجل والمرأة على أنَّ من أعظم دلائل قدرة الله (عزّ وجل) وآيات كرمه أن خلق للرجل زوجةً من جنسه ليسكن إليها، فإنَّ السكون النفسي نعمة عظيمة يشعر بها كلٌّ منهما، وهنا يجب أن نُشير إلى أنَّ المودّة أعظم من الحب وأهم منه، فهي حبٌ يسوده الوئام ويلازمه الاحترام. -المحافظة على رباط الزوجية إنّ الزواج رباط وثيق يترتّب عليه إنجاب الذرية ورعايتها من قبل الوالدين والعناية بهم وتنشئتهم على وفق تعاليم الدين الإسلامي، لذا هي مسؤولية عظيمة، ولكن قد تحدث بعض الخلافات وتعصف الأزمات بهذه العلاقة، هنا يجب على الزوجين التروِّي والركون إلى العقل واتخاذ الحوار وسيلة لحلّ الخلافات، والاحتكام إلى عقلاء الأسرتين إن تعذّر إيجاد الحلول، فلا يكون الطلاق أوّل الخيارات لأنَّهُ أبغض الحلال إلى الله تعالى، ونرى اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بعض المشاكل التي بدأت تؤثر في الأسرة فيتشتت الأولاد ويكونوا الضحية الأولى، قال تعالى: (..فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ..)/ (النساء:128).