رياض الزهراء العدد 138 شمس خلف السحاب
المُوَالِي وَفَلْسَفَةُ الانْتِظَارِ
نجبت الحياة الكثير من النبغاء والعلماء وفاض رحم الوجود بشخصيات برزت في المعارف والعلوم، ودلى كلٌّ بدلوّه في خضمّ هذه الحياة وأعطى عصارة فكره وجهوده هباتٍ للبشرية جمعاء دون استثناء. فكما أنار أحدهم الدنيا بأفكاره وأضاءها بالكهرباء جاء أحدهم ليخدم الوجود بنظريةٍ علميةٍ يثبت فيها كروية الأرض وآخر يثبت جاذبيتها، وهكذا تنوّعت الإنجازات لتنظم جميعها لهدف إحياء الأرض وإعمارها؛ لكن المثير للانتباه أنّ هنالك ثُلّةً من العباد خصّهم الباري (عزّ وجل) بقدرات من التمكين الرسالي والقيادي، أولئك النزر وظّفوا طاقاتهم لخدمة البشرية جمعاء وضمنوا سلامتهم بما يحقق لهم سعادة أبدية في الدارين. والأكثر دهشة أنّ أولئك الأنوار قد أُنيطت بهم مهام سماوية على صغر أعمارهم؛ حيث فاق عمرهم العقلي عمرهم الزمني بكثير، وهذا ما حدث مع إمامنا الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عندما تسنّم مهام الإمامة وهو في الرابعة من العمر، فلمّا استشهد والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة 260هـ، صلّى عليه ودفنه في سامراء، وتسلّم قيادة الأمّة باعتباره الإمام الحي والقائد الفعلي والمتكفّل للمسؤولية العظمى، وهذه المراتب السماوية هي مراتب تفوق أيّة منجزات جاء بها غيره لأنَّ فيها الخلاص والأمل والخير كلّه، فلقد مثّل الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قفزةً نوعيةً لا مثيل لها عبر الإعجاز الربّاني المتمثّل في صغر سنّه لدى تسنّمه الإمامة وطول غيبته حتّى يوم الفرج. جاء عن النبيّ (صل الله عليه وآله): "لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يبعث الله فيه رجلاً من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً".(1) فهل يا ترى تستحق البشرية هذا الإعجاز الربّانيّ؟ وهل يحسن الموالون الانتظار في زمن الفتن والتحدّيات؟ ......................................... (1)الوافي: ج2، ص464.