القُرْآنُ وَالإعْجَازُ الاجْتِمَاعِي

هند صالح النايف/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 224

ارتبطت البلاغة القرآنية بفكرة الإعجاز ارتباطاً وثيقاً، وأصبحتا توأمين يجب التمييز بينهما؛ ففي رَحِمِ القرآن ولد البيان؛ وعُدَّ من أهم ما يعتُمد عليه في خدمة العقيدة الإسلامية لما له من قابليةٍ على إبراز معاني القرآن والحقائق المُسَلّم بها والمشتملة على الأصول في كلِّ شيء؛ مصداقاً لقوله تعالى: (..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ..)/ (النحل:89). فضلاً عن ذلك اشتمل القرآن على إشارات لطيفة لمختلف متطلّبات الإنسان، ومسؤولياته إزاء نفسه والآخرين؛ فأوقفه أولاً على ضرورة إدراك ذاته، وقِدومه إلى العالم، وما هو دوره، وإلى ماذا سيكون مآله؛ فإدراكُه لذاته وللغاية من وجوده يجعله يحيا حياتَه كما يريد الله تعالى له فيها، بتعامله مع الآخرين، وتفاعله مع ما يحيط به بطريقةٍ إيجابية، فلفت القرآن الكريم نظرَ الإنسان إلى التفكير في أصل خَلْقه في آيات مختلفة؛ كقوله سبحانه: (..فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ..)/ (الطارق:5)، وكقوله: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)/ (الطور:35). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)/ (الحجرات:13). فهذه الآيات ومثيلاتِها تدعو الإنسانَ إلى أن يتأمل نفسه؛ ليستكشف كيف طوَّع القرآن الكريم طاقاته ودفع بها نحو الرقي الحضاري، ومن مظاهر الإعجاز العظيم الذي نزَل في القرآن الكريم، ما ورَد فيه من أحكامٍ وإشارات تخصُّ الإعجاز الاجتماعي في حياة الفرد والأسرة والمجتمع. والدِّين الإسلامي وضع العديد من القوانين؛ منها قانون الثواب والعقاب في الآخرة وآثارها في الدنيا، وهي بحدّ ذاتها الخطوة الأولى لنبذ حالة التسويف والإهمال التي يعيشها الفرد في معظم أوقاته، فوضع الحدود والقيود للتعامل فيما بين الإنسان وأخيه الإنسان عن طريق تحديد صور العلاقات وما ترسم بها من روحٍ للتعاون، وتأكيداً على مبدأ الفطرة التي يرتقي بها الإنسان، وبما أنّ الدِّين الإسلامي مؤسسة فكرية تربوية لم يغفل عن الإنسان هدايته ورشده وصلاحه، فضلاً عن الإعجاز الاجتماعي في القرآن الكريم، فالقرآن الكريم تحدَّث عن قواعدٍ اعتنى بها لحياة الإنسان والأسرة والمجتمع، فقد عَمِل على إصلاح حياة كلِّ هذه المستويات، ودفع ما قد يهدِّد حياتها من أخطار مادية ومعنوية ومن تلك الآيات التي تهتم بجانب الإنسان وقضاياه منها: القاعدة الأولى: دعاء المؤمن لأخيه المؤمن بظهر الغيب يقول تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)/ (الحشر:10). على الرغم من أنّ بعض المفسّرين قد حدّد مفهوم هذه الآية بمجموعةٍ من الأفراد الذين التحقوا بالمسلمين بعد انتصار الإسلام وفتح مكّة، إلّا أنّه لا يوجد دليل على هذه المحدوديّة الخاصّة بل تشمل جميع المسلمين إلى يوم القيامة، وعلى فرض أنّ هذه الآية ناظرة إلى فئةٍ خاصّة، إلّا أنّها عامّة من حيث الملاك والمعيار والنتيجة.(1) القاعدة الثانية: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا)/ (النساء:85). وضّح القرآن الكريم عواقب التّحريض على الخير أو الشرّ: فأشار في الآية السابقة إِلى أنّ كلّ إِنسان مسؤول عن عمله وعمّا هو مكلّف بأدائه، ولا يُسأل أي إِنسان عن أفعال الآخرين.(2) ................................... (1) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج18، ص193. (2) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج3، ص355.