رياض الزهراء العدد 142 شمس خلف السحاب
آلِيَّةُ الانْتِظَارِ الإيْجَابِي
في زمنٍ تكثر فيه الأزمات، وتقل فيه الأخلاقيات، وتُبتلى الأمّة بإرهاصات تضعفها وتفكّك أرضيتها المتماسكة، تصبح الحاجة ملحَّةً جداً لظهور المخلِّص الموعود؛ لذا يلتجأ عامّة الناس إلى الدعاء والابتهال في تعجيل الظهور الميمون. وفي ظلِّ ذلك الطلب المُلح لابدّ أن يؤسس الإنسان أُسساً لحراكه الذي يمهّد في عناوينه ومعانيه مغزى الانتظار ويفتح الآفاق؛ لكي يتّجه ويختار أيّ المطلبين أجدر تحقيقاً للظهور الميمون. فهل سيكون انتظاره انتظاراً سلبياً تاركاً الأمر للظروف وحوادث الأيام؟ أم سيكون انتظاره إيجابياً وحراكه فعّالاً مقروناً بالعمل والجهاد وإعداد العدّة لذلك؟ إنّ الانتظار الإيجابي المطلوب اليوم هو انتظار يعزز الإنسان فيه قدراته على التحدّي والورع عن المحارم والاستقامة، كما أنّه بمثابة ميزان اختبار لنفسه؛ ليكون أكثر قدرةً على قيادة زِمام نفسه ومعاينة شطحاتها وسقطاتها، ومحاولاً الصعود وصولاً لأعلى مراتب سُلّم الانتظار الإيجابي. وما أصعب الورع عن المحارم في هذا العصر، أن تكون ورِعاً في نظراتك، وورِعاً في لسانك وألفاظك، وطعامك وشرابك، ورِعاً في علاقاتك مع الآخرين، كلّ هذا يُعدُّ وجوده شرطاً أساسياً في النفس، لذا يتحتَّم على كلّ واحدٍ منّا أن يُهيئ نفسه وأن يُساعد الآخرين على تهيئة أنفسهم، وأن نبني الشخصيات الملتزمة من حولنا من أبنائنا وأصدقائنا، وأن ندعم البرامج التي تُساعد على بناء الشخصيات الملتزمة. عن أبي جعفر الثاني، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: "للقائم منّا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمَنْ ثبت منهم على دينه لم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة".(1) إذن الانتظار الإيجابي هو مجاهدة النفس، ومحاولة جادّة وحثيثة لتشذيبها وإصلاحها، وثمَّ الانطلاق والحراك في إصلاح الآخرين والمجتمعات بغية التنعّم ببركات الدولة الموعودة المنتظرة وأوفيائها. ................................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج10، ص508.