السِّيْرَةُ الذَّاتِيَّةُ: أُم

زهراء حسام الشهربلي/ ذي قار
عدد المشاهدات : 180

بعد أن تَحْمِلَ بين أحشائها إنساناً حيثُ لا يحمل أحدٌ أحداً، يصاحبها تسعة أشهر، يجاور فيها قلبها، ويتقلّب داخلها بكلّ طمأنينة مصغياً إلى نبضاتها، ثمَّ تتمخّض به فيخرج للدنيا ليشاركها حياتها بعمليّة تُحار فيها العقول، ولا نملك إلّا أن نقول سبحان الله؛ فهو الذي أخرجكم من بطون أمَّهاتكم لتُرى بين يديها بشراً سويّاً تغذّيه من دمها لبناً خالصاً، ليكون بأحسن تقويم، والأهم أنَّهُ مولود على الفطرة ومساحة عقله وفكره شاسعة أمامها، تناديها لتربّي إنساناً مهدي النجدين فتتخيّر له أحدهما، إمّا شاكراً وإمّا كفوراً، عندها يتحدّد مصيره في المجتمع ويُكتب له إمّا السعادة أو الشقاء. مع عظم دور الأم إلّا أننا نلاحظ أنَّ من تُريد رثاء نفسها تقول: إنها بلا عمل ومشغولة بالأطفال فقط، وما أكبر هذه الـ(فقط)! يسبقها المجتمع الذي يَعدُّ ربّة البيت في آخر حلقةٍ من سلسلة النساء، اختزلت وظائف الأم الجِسام في أوحش زاويةٍ من زوايا الوجود. إنّها الـ(فقط) الوحيدة التي تحمل الكثير، تعني حمله وفصاله في عامين، تهيئته وإعداده، خُلقه وسلوكه، دينه وعقله، عندما يكون في البيت والمدرسة والجامعة والعمل، ثمَّ نأتي ونعترض لأننا نربّي الأطفال فقط، جزء كبير من خلل التربية هو تلك النظرة الدونيّة لموقع التربية وأهمّيتها وأولويتها. لو لم تكن في سيرة المرأة الذاتية سوى كونها أمّاً صالحة لكفاها ذلك منجزاً وفخراً، ولو ملأتها بما تشتهي الأنفس وأقصت كونها أماً لما عُدّت شيئاً يُذكر أمام ربّها وفطرتها.