رياض الزهراء العدد 80 لحياة أفضل
لَحظَةٌ من فضلِك (سيّدي الرجل_ سيّدتي المرأة)_تَركُ العَمَلِ وتَأثِيرُهُ في العَائِلَة
سيّدي الرجل يعدّ العمل ركيزة من أهم ركائز المجتمع التي تساهم في بناء استقراره، ومِفصلاً مُهماً من مفاصل حياة الإنسان وخاصة الرجل بحكم مسؤوليته المباشرة عن الأسرة وتلبية احتياجاتها الحياتية، وتوفير المأكل والملبس، وتهيئة الظروف المناسبة للعيش الكريم. وعلى الرغم من أهمية العمل في استقرار الحياة إلّا أن بعض الرجال يستسلم للأمر الواقع بسبب ما يشهده مجتمعنا من بَطالة أدّت إلى مشاكل كثيرة أثّرت في الأسرة العراقية بشكل يُدمي القلب ويُقرح العيون، فكم من عائلة باتت متشردة لا مأوى لها بسبب هذه البطالة المقيتة، ووقوف الرجل عاجزاً قد أعيته الحيلة، غير آبه بما آل إليه مصير أسرته لا همَّ له سوى أن يندب حظه العاثر، والشكوى لهذا وذاك متناسياً بأن الله(عز وجل) أنعم عليه بعدة نِعم، منها كمال الجسم والصحة الموفورة التي لم يستغلها في العمل الحلال ولو أنه أتعب عقله قليلاً وفكّر فإنه سيجد وسيخلق سبباً للرزق؛ لأن الله(عز وجل) تكفّل برزق كلّ ما خلق في هذا الكون ولكن ميّز الإنسان بأن جعل له عقلاً لكي يسعى ويعرف قيمة عمله واللقمة الحلال التي هي ألذّ الطيبات، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "ما أكل العبد طعاماً أحبّ إلى الله تعالى من كدّ يده، ومن بات كالّاً من عمله بات مغفوراً".(1) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أن محمد بن المنكدر كان يقول: "ما كنت أرى أنّ علي بن الحسين (عليه السلام) يدع خلفاً أفضل من علي بن الحسين (عليهما السلام) حتى رأيت ابنه محمد بن علي (عليهما السلام)، فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأيّ شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا، أما إني لأعظنّه. فدنوت منه فسلّمت عليه، فردّ علي بنهر وهو يتصابّ عرقاً، فقلت: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟ أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحالة ما كنت تصنع؟ فقال: "لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله(عز وجل) أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله(عز وجل). فقلت: صدقت يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني".(2) هذان الحديثان وغيرها ممّا لا يسع المجال لذكره أكدت على أهمية الكسب المادي الحلال لجعله وسيلة لاستقرار الحياة وتسيير أمور الخلق واستقرار الحياة الزوجية والأسرية بالدرجة الأولى. ............................. (1) ميزان الحكمة: ج9، ص24. (2) ميزان الحكمة: ج9، ص26. سيّدتي المرأة عزيزتي تعتمد الأسرة بالأساس على المرأة في تآزرها، ولمّ شملها، وتذليل كلّ الصعوبات التي تواجهها في سبيل الحفاظ على هذه المؤسسة الصغيرة التي هي جزء من المجتمع وخاصة الأطفال الذين دائماً ما يكونون ضحية لأيّ شيء يهدد استقرار الأسرة.. ومن هذه الأشياء التي تهدد هذا الاستقرار هو ترك الزوج للعمل الذي يؤدي إلى فقدان الأمان المادي الذي يلمّ شملها، هنا على الزوجة أن يكون لها دور أساسي في التصدي لهذا التهديد عن طريق حثّ زوجها على العمل بالأسلوب اللين من دون استفزاز ومن دون أن تحرجه، وأن تولّد في داخله حبّ العمل وأهميته، إضافة إلى استخدام أسلوب التدبير المنزلي كإجراء مؤقت إلى أن تنتهي الأزمة. مع الأسف هناك بعض الزوجات يتصرفنَ بشكل سلبي تجاه الزوج عن طريق تعمّد احتقاره وتوهين شخصيته أمام أطفاله أو الآخرين، مستغلة بذلك الظرف الذي يتعرض له ممّا يسبب له صدمة قد تؤدي إلى أزمة نفسية لا سامح الله تؤثر في علاقتهما بالفراق والتشتّت، فعلى الزوجة أن تدرك أن طريقة تعاملها مع الزوج لها الأثر الأكبر في تجاوز المحنة التي يتعرضون لها، ولتعلم أنه ليس من السهل على الزوج أن يجلس في البيت من دون عمل فعليها أن تراعي مشاعره، وأن تقف بجانبه بكلّ السبل الممكنة، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "أيما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت قطّ من وجهك خيراً فقد حبط عملها".(1) وعليها أن ترشده إلى التفكير السليم الذي يوصلهما إلى برّ الأمان، ولتعلم أيضاً أن أجرها كبير عند الله، فقد جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (إنّ لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجتُ شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنتَ تهتم لرزقك فقد تكفّل لك به غيرك، وإن كنتَ تهتم بأمر آخرتك فزادك الله همّا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّ لله عمّالاً وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد".(2) فانظري أين تضعينَ نفسك في حفرة من حفر النار أو في جنة الخلد التي وعد المتقين. ............................... (1) من لا يحضره الفقيه: ج240، ص3. (2) من لا يحضره الفقيه: ج220، ص3.