بَرَكَاتُ الدُعَاءِ

سارة محمد علي/ مركز الحوراء زينب
عدد المشاهدات : 205

وصل للتوّ فرحاً مستبشراً، قد أنهكه بُعد المسافة بين شمال العراق وجنوبه، ازداد حنينه لأَزِقَّة مدينتهِ وفيها ارتفعت رايات الثأر لأبي الأحرار (عليه السلام) واعتلت مآذنها ترانيم العشق الحسينيّ، فكيف لا وهي أيام يتجدد فيها العزاء لسيّد الشهداء (عليه السلام). مضى عشرون يوماً على مغادرته البصرة إلى ميادين المجد؛ لمقارعة الإرهاب في تلال مكحول، كان مسبقاً قد تعبّأ لوفادتها وتهيّأ لخوضِ معاركها مع رفاقه المجاهدين.. أربعة أيام فقط قضاها مع والديه وحَلّ يوم الوداع.. لم يكن صعباً عليه، فمَنْ له أمّ كأمّهِ، يرى السير في طريق الموت كشَرْبةِ ماءٍ بعد ظَمَأ صيَام الحَرّ.. افترش الأَرْضيَّة أمام والدته، وهي بين يدي خالقها تؤدِّي فرض الظُّهْرين.. مسك يديها بقُوَّةٍ بعد أن أَتَمَّت صلاتها عسى أن يزيدهُ عزمها وقُوتهَا بسطة في العَزْمِ والقوّة.. خاطبها بصوتهِ الفتيّ مودِّعاً: - أمي إن كنتِ تحبينني فعلاً، فأدعِ لي أن يجري عليّ ما جرى على الحسين الشهيد يوم عاشوراء، لا تنسِ يا أمي أن تهدي لي بعضاً من خطواتكِ في كلِّ زيارة أربعينية، وأوصي مَنْ يتشرَّف بالْمَشْي لقِبْلَة الأحرار بذلك، تَذكَّريني بهذا الفضل.. أمي شكراً لأنكِ ربيّتني لأكون على ما أنا عليه، أرجو أن تسامحيني على كلّ إساءةٍ منّي، أمّي سأشتاق لكِ في كلّ لحظة.. كان صوت السيارة التي تنقلهم إلى مكحول كفيلاً بإنهاء الوداع بينهما، أسرع ليلتحق مع المجاهدين، وعلى قمّة الجبال في مطلع الشتاء انخفضت درجات الحرارة وازداد البرد القارس هناك، لا يُعلم أهي حِمَمٌ من السماء أم هِمَمٌ من أبطال اللواء، إذ تصاعدت في نفوس مقاتلي لواء علي الأكبر (عليه السلام) حرارة الاندفاع للإنهاء على العدو.. و(حسين) يُبهر الجميع بصموده وقوّته، يُركّز في تصويب عدوّه، ويناجي معبودَه بقلبه: (إلهي مُنَّ عليّ بمثل ما جرى على الحسين (عليه السلام) في كربلاء) وبعد مدّةٍ وجيزة ارتفعت تكبيرات أذان الـفجر لثلاثٍ خلت من صفر في البصرة حيث تسكن والدة (حسين)، أتمّت صلاتها، وأمسكت بيدها مسبحة ذات مائة خرزة وخرزة - تكوَّرت خرزاتها من تربة كربلاء - وبدأت تديرها بذكر الصلاة على محمد وآله، هدية إلى صاحب العصر والزمان لتعجيل فرجه ونصرته.. لم تُمحَ آية الفجر إلّا عن أخبارٍ وصلت إلى (جعفر) والد (حسين) عبر اتصالٍ هاتفي.. أسرع بالعودة إلى داره وكان قد صلَّى الفجر في المسجد.. غسقت عيناها دمعاً وهي ترى زوجها يحمل نبأ استجابة الدعوة بتحقيق أمنية ولديها، لم تستطع أن تكبح جماح حزنها دون البكاء.. سألته بصوتٍ مازجته العبرات وهي تحتضن صغارها.. أحدهما أم كلاهما فداءً لابن الزهراء؟ فاضت عيناه رضا بقضاء الله (عزّ وجل) وفضله عليهم وأجابها قائلاً: - جُرِح صادق واستشهد حسين مع اثنين من أبناء عمّه.. وبعد تحرير المنطقة تمكّن المقاتلون من إحضار الجثامين العَطِرة للشهداء الثلاثة، ومن معهم من الشهداء الآخرين بعد أن بقيت ثلاثة أيام مطروحة في العراء تماماً كما حلّ بالحسين (عليه السلام) وأنصاره في أرض الطفوف.