رياض الزهراء العدد 142 واحة البراءة
لِمَاذَا خُلِقَتْ الزَّرَافَةُ بِرَقَبَةٍ طَويْلَةٍ؟
في الغابة الكبيرة كانت هناك مجموعة من الحيوانات الأليفة منها المفترسة، وكانت فيها بركة من الماء يزداد بريقها حينما تسقط أشعة الشمس عليها، فتتوافد عليها جميع حيوانات الغابة الأليفة في وقت الظهيرة وعندما يشتدُّ الحرُّ، ومن تلك الحيوانات الغزال والحمار الوحشي اللذان كانا يتبادلان أطراف الحديث فيما قاما به من أعمالٍ خلال اليوم، وكيف قضيا وقتيهما في الحصول على طعامهما، وبعد أن أنهيا شربهما من الماء مشيا معاً وهما يتحدَّثان عن مواقفهما اليومية وما يستفيدان من تلك المواقف، حتّى لا يقعان في الخطأ مرّةً أخرى، وبينما هما في الطريق وإذا تصادفا مع الزرافة، التي ألقت التحيّة وسألتهما: مرحباً، ما هو الطريق المؤدِّي إلى بركة الماء؟ فإنَّني أشعر بالعطش الشديد. وبينما تنتظر الزرافة الإجابة من الغزال والحمار الوحشي، وإذا بالحمار الوحشي ينظر إلى الأرض ويضحك كثيراً دون توقّف، تعجّبت الزرافة من نوبة الضحك التي أصابت الحمار الوحشي، وبينما الزرافة متعجِّبة من هذا الموقف، أخذ الغزال يهمس في أُذن الحمار متعجِّباً من نوبة الضحك الهستيرية التي أصابته، قائلاً له: ما بكَ يا صديقي ما الذي يضحك؟! أجاب الحمار: أضحكتني رقبة الزرافة الطويلة، وأتمَّ ضحكته، وبينما هو يضحك قال للزرافة: يا صاحبة الرقبة الطويلة إنّ بُرْكة الماء من هذا الاتجاه. حزنت الزرافة من كلام الحمار الوحشي حزناً شديداً، فهي لم ترَ أو تسمع أحداً يضحك على طول رقبتها، إلّا أنَّها لم تعرهُ أهمية وأكملت طريقها لشرب الماء من البرْكة. وبعد يومين التقى الصديقان الحمار الوحشي والغزال عند بُرْكة الماء، وفي هذا الأثناء جاءت الزرافة وسلّمت على الغزال وبقية الحيوانات، لكنها لم تهتم لأمر الحمار الوحشي، فتعجَّب الحمار الوحشي من موقف الزرافة، وأخذ يتوجَّه بسؤاله إلى الغزال: ما الذي فعلتهُ للزرافة حتّى تعاملني بهذه القسوة؟ فأجاب الغزال: قبل يومين أخذتَ تضحك على طول رقبتها وسخرتَ منها، وأخذتَ تناديها بذات الرقبة الطويلة، لكن هي لم تجبك بشيءٍ ولم تسخر من خطوطك السوداء التي تغطِّي جسمك، ولم تسخر من قرني الذي يعتلي رأسي. طأطأ الحمار رأسه وشعر بالندم لما قاله للزرافة من كلامٍ قدْ أحرجها، وهي لم تعامله بالمثل، فطلب الحمار الوحشي من الغزال أن يرافقه إلى البرْكة للاعتذار من الزرافة، وحينما وصلا البركة لم يجدا الزرافة، فذهبا إلى الغابة وأخذا يبحثان عنها إلى أن وجداها تأكل أوراق الشجر من أغصانها، وأخذ يتقرَّب الحمار الوحشي وهو نادم قائلاً: أيّتها الزرافة الجميلة يا ذات اللون الأصفر، كيف حالك؟ أجابت الزرافة: الحمدُ لله بخير، وأنت كيف حالكَ؟ أجاب الحمار: أنا بخير، إلّا أنني حزين جداً. فقالت الزرافة: ولِمَ أنتَ حزين؟ أجابها: قبل يومين سخرتُ منكِ، وأرجو منكِ أن تسامحيني. قالت الزرافة: لقد سامحتكَ، إلّا أنني أريد أن أعرف منك ما سبب سخريتك منِّي في ذلك اليوم؟ قال الحمار: عذراً صديقتي الزرافة، أردت أن أعرف لماذا خلق الله لكِ هذه الرقبة الطويلة؟ أجابت الزرافة: حتّى أستطيع عمل ما تراه. فقال الحمار: وما الذي تقومين بعمله؟ قالت الزرافة: حتى أستطيع برقبتي الطويلة أن أَكُلَ أوراق الشجر التي على الأغصان العالية، وأعطي فرصةً لغيري من الحيوانات أن تأكل أوراق الشجر. ندم الحمار ندماً شديداً، وتأسَّف كثيراً من الزرافة. فقالت الزرافة: لا عليك يا صديقي، فنحن أصدقاء خلقنا الله (عزّ وجل) في هذه الأرض ليُكمل بعضنا البعض فنسعد أنفسنا ونسعد غيرنا، هيّا نشرب الماء سويةً ونبحث عن أرزاقنا في هذه الغابة الجميلة.